تطور الأروقة بعد توسعت المسجد الحرام:
توالت أعمال التوسعة والزيادة في المسجد الحرام، ولا سيما في العصرين الأموي والعباسي، غير أن ما يعنينا في هذا المقام هو ما يتعلق بعمارة الأروقة، ومن ذلك عمارة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86_96 هجري)، التي وصفت بأنها كانت محكمة ومتقنة.
وعن تلك العمارة يذكر كل من الأزرقي والفاكهي ومن نقل عنهما أن أول من نقل أساطين الرخام أي الأعمدة الرخامية هو الوليد بن عبد الملك، فعمله بطاق واحد بأساطين الرخام وسقفه بالساج المزخرف، وجعل على رؤوس الأساطين أي تيجان الأعمدة الذهب على صفايح الشبه من الصخر، وجعل وجوه الطيقان في أعلاها الفسيفساء، وهو أول من عمله في المسجد الحرام.
ويفيدنا هذا النص في التعرف على أول مرحلة من مراحل تطور الأروقة في العمارة الإسلامية المكية عامة وفي عمارة المسجد الحرام خاصة سواء من حيث عمارتها أو من حيث حليتها وكسوتها.
عمارة الأروقة في المسجد الحرام:
كانت عمارة الوليد عبارة عن رواق واحد متصل يدور على حافة المسجد الحرام حول الكعبة المشرفة، أما عن حلية هذا الرواق وكسوته فتتجلى في تلك الصفائح الذهبية التي زينت بها رؤوس الأساطين أي تيجان الأعمدة من جهة، وفي تلك الزخارف الفسيفسائية التي زينت بها الأجزاء العلوية لواجهات العقود من جهة ثانية وفي تلك الزخارف المتنوعة التي بها ذلك السقف الذي كان من أجود أنواع الخشب، وهو خشب الساج.
ومن المرجح أن هذه الزخارف كانت على غرار مثليتها المنفذة على العمائر الأموية الأخرى التي لا تزال باقية حتى الآن، وبصفة خاصة قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأموي، ومثلها في ذلك مثل زخارف المسجد النبوي الشريف عقب عمارة الوليد أيضاً.
ولم يعمر المسجد الحرام بعد الوليد بن عبد الملك ولم يزد فيه أحد حتى جاء أبي جعفر ثاني الخلفاء العباسيين (136-158 هجري)، فأمر بتوسعة المسجد والزيادة فيه فيما بين سنتي 137-140 هجري، وكانت هذه الزيادة من الجهتين الشمالية والغربية وبموجبها زادت مساحة المسجد بمقدار الضعف عن ذي قبل، ويمكن القول أن الرواق الذي أضيف في هذه الزيادة كان يشبه من حيث عمارته وحليته وكسوته رواق الوليد، وهذا ما ذكره الأزرقي والفاكهي.