جامع الزيتونة الأثري في تونس

اقرأ في هذا المقال


“Zitouna Mosque” ويسمى ب “مسجد شجرة الزيتون” ويعتبر إحدى أهم المعالم الدينية القديمة في تونس، حيث يعد ثاني أقدم مسجد في إفريقيا، والذي يستقبل مئات المصليين الذي يسعون إلى النمو الروحي ومكاناً للعبادة، كما يتميز بهندسته المعمارية الرومانية القديمة التي تجعل منه إحدى أجمل المساجد القديمة في الوطن العربي.

تاريخ بناء جامع الزيتونة

يعود تاريخ بناء جامع الزيتونة إلى عام 732م في موقعٍ كانت تشغله كنيسة رومانية قديمة في مدينة تونس، على يد البنَاء حسن بن النعمان، حيث أعيد بناؤها بالكامل في القرن التاسع وتم ترميمها عدة مرات على مر القرون، وبعد قرن من بنائه، أعاد الأغالبة الأمير أبو إبراهيم أحمد (856-863 م)، بناء المسجد بالكامل ليحاكي المسجد الكبير في القيروان من مشاريعه الإنشائية الضخمة.

حيث أعيد بناء المسجدين بشكلٍ متزامن بين عامي (856 و 863م)، وفي عام 864، تم تمويل أعمال التجديد من قبل الخليفة العباسي المستعين بالله، حيث هنالك أوجه تشابه بين مخطط مسجد الزيتونة والمسجد الكبير في قرطبة (784-786 ، 961-976 ، 987 م)، وهذا دليل على التأثير المستمر لمبنى قرطبة على تصميم المساجد في شمال إفريقيا.

ويشير نقش في قاعدة المحراب إلى أن الباني الرئيسي لإعادة بناء مسجد الزيتونة في القرن التاسع كان فتح الله عبد الخليفة، وتم تغيير المسجد أكثر من مرة بعد تكليف إبراهيم أحمد، بما في ذلك التدخلات في عام 991 والقرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر ومنتصف القرن الخامس عشر والقرن التاسع عشر وأواخر القرن العشرين، وعلى الرغم من هذه التجديدات الكبيرة في صرح القرن التاسع، لا يزال مسجد الزيتونة أحد أهم الأمثلة على العمارة الأثرية الأغالبية وأوائل الحفصيين في شمال إفريقيا، فضلاً عن أقدم مسجد باقٍ في مدينة تونس.

وتم تجديد مسجد الزيتونة مؤخراً في عام 1989 تحت إشراف المعهد الوطني للآثار والفنون، وهو وكالة حكومية في تونس، وبدعمٍ من الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي، كان محور هذا الترميم هو المحراب في قاعة الصلاة، حيث تم طلاء مكانته الداخلية بالحجر المحلي بنمطٍ بسيط، ويستمر المسجد التاريخي في استضافة خدمات العبادة المعاصرة، حيث يعمل كمركزٍ ديني لجامعة الزيتونة.

المعالم التاريخية في جامع الزيتونة

يقع جامع الزيتونة بالقرب من وسط تونس، في منتصف قطعة من الأرض يبلغ عرضها أربعة كيلومترات تفصل بين المسطحتين المائيتين الرئيسيتين في المدينة؛ سبخة السجومي من الغرب وبحيرة تونس من الشرق، ويعد المسجد مركزاً لمجمع الزيتونة الأكبر، والذي يضم جامعة الزيتونة والعديد من الأسواق المجاورة، حيث كان ترتيب الأسواق حول المسجد جزءاً من إستراتيجية التخطيط التقليدية التي ركزت على تطوير المراكز الاقتصادية الحضرية بالقرب من المؤسسات الدينية الهامة، واستمر هذا التنظيم.

حيث إن الجدار الغربي بأكمله لمجمع المساجد حتى يومنا هذا محاطاً بمتاجرٍ خلوية صغيرة، كما يحد الحافة الشمالية للمجمع سوق العطارين، الذي يمتد بموازاة شارع القصبة، وهو طريق رئيسي يمر عبر مدينة تونس، كما تقع العديد من المساجد التاريخية الهامة الأخرى ضمن دائرة نصف قطرها كيلومتر واحد من مسجد الزيتونة، بما في ذلك مساجد مرادي حمودة باشا (1655 م) ويوسف داي (1616 م).

يبلغ طول جامع الزيتونة حوالي 75 متراً على طول محوره الشرقي الغربي، وما بين 64 و 78 متراً على طول محوره الشمالي الجنوبي، ويحتل مساحة تقارب 5400 متراً مربعاً، وهنالك 12 بوابة تتيح الوصول إلى المسجد، كما يقع مدخلان للمسجد في الطرف الشمالي للجدار الشرقي، حيث تفتح بوابات حجرية مقوسة بنيت في القرن الخامس عشر على صحنٍ كبير يبلغ عرضه 47 متراً من الشرق إلى الغرب ويبلغ طوله ما بين 28 و 38 متراً من الشمال إلى الجنوب.

بالإضافة إلى أربع بواباتٍ إضافية تسمح بالدخول إلى هذا الفناء المركزي، كما يوجد مدخلان على طول الجدار الشمالي، ومدخلان آخران في الطرف الشمالي للجدار الغربي، حيث تخلق المداخل الإضافية ممراتاً مباشرة من الأسواق المحيطة إلى قاعة الصلاة المغطاة، كما يوجد باباً صغيراً بمحاذاة جدار القبلة شرق المحراب، يسمح للإمام بالوصول المباشر إلى قاعة الصلاة، وتم تزيين هذا المدخل الخاص بأناقةٍ رائعة، حيث يضم عتباً رومانياً عتيقاً مستورداً وأعمدة رخامية منحوتة.

ويدور محور الجدار الشمالي الذي يحدد حافة الصحن مقابل الرواق المحيط بقاعة الصلاة، بمقدار 63 درجة شرقاً (في اتجاه عقارب الساعة) من خط الطول الشمالي الجنوبي، ويتم تدوير الجدار الشمالي عشر درجات باتجاه الشرق أكثر من جدار القبلة على طول الحافة الجنوبية لقاعة الصلاة.

كما يدور المحور الذي يحدد الحافة الجنوبية للصحن أربع درجاتٍ إلى الغرب من جدار القبلة، مما يعطي قاعة الصلاة شكلاً شبه منحرف قليلاً وشبكةً عمودية مائلة، أما المحور الطولي للممر المركزي للمسجد، فيدور بمقدار 33 درجة غرباً (عكس اتجاه عقارب الساعة) من خط الطول الشمالي الجنوبي.

أما قاعة الصلاة فهي أقدم جزءاً في المسجد، حيث تم تشييدها في عهد أبو إبراهيم أحمد في القرن التاسع، وتبلغ مساحة الأعمدة الموجودة فيها؛ مساحة 15 ممراً وعمق ثمانية فتحات، بينما يبلغ طول الممرات السبعة على كل جانب من القاعة 3.5 متراً في الوسط، أما الممر المركزي فهو أوسع قليلاً، ويمتد على مسافة 5.3 متراً في الوسط.

ويبلغ قطر الأعمدة الحجرية نفسها حوالي 50 سم، وعند تقاطع الممر المركزي والخليج المستعرض على طول جدار القبلة توجد قبة فوق الحيز الذي يسبق المحراب مباشرةً، حيث شُيدت هذه القبة المزخرفة التي يبلغ عرضها أربعة أمتار عام 991 بعد الميلاد خلال العصر الزيري، والتي تشتهر بفتحاتها الدقيقة و القوالب الزخرفية المنحوتة، التي تمتلك مقطعاً عرضياً محدباً.

وعنصراً آخر في جامع الزيتونة تم تشييده بالتزامن مع نظيره في القيروان، وهو المنبر، حيث كان منبر الزيتونة أقل زخرفةً من منبر القيروان، ولكن تم الاهتمام بترميم الهيكل الأغالبي الأصلي من القرن التاسع خلال التجديدات التي قام بها الحفصيون في منتصف القرن الثالث عشر.

وفي الطرف الشمالي من الممر المركزي توجد قبةً ثانية تمثل المدخل الرئيسي لقاعة الصلاة من الصحن، حيث تمت إضافة هذه القبة الأكبر والأكثر زخرفةً من القبة أمام المحراب، خلال عمليات التجديد في القرن العاشر، ويمكن رؤية ارتفاعها بالكامل بوضوح من داخل الصحن، كما يتميز الجزء الخارجي المبلط من القبة بدوراتٍ متناوبة من الطوب الأحمر وحجر المغرة، ويعتبر تفصيل القبة من سمات الفن الفاطمي، حيث تتميز هذه الفترة المعمارية بكثافة المنافذ الصغيرة التي تغطي القاعدة المربعة والدف المثمن للقبة.

المصدر: كتاب الموجز في علم الآثار للمؤلف الدكتور علي حسنكتاب موجز تاريخ علم الآثار للمؤلف الدكتور عباس سيد أحمد محمد عليكتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار للمؤلف عبد الرحمن الجبرتيكتاب علم الآثار بين النظرية والتطبيق للمؤلف الدكتور عاصم محمد رزق


شارك المقالة: