رغم وجود الأدلة الفطرية والحجج القوية الثابتة لوجود الخالق جلّ وعلا، إلّا أنه هناك بعض الملحدين والجاحدين لهذه الحقيقة، وظهرت منذ القدم شبهات وأوهام، حاول واضعوها أن يبيّنوا صحة أقوالهم في سبب وجود الكون من خلالها، ونستعرض في هذا المقال بعض تلك الشبهات، ونبين كيف ردّ عليها علماء الإسلام.
أولاً: القول بالمصادفة:
يقول البعض أنّ الكون وُجد على طريق المصادفة، فقد يكون نتيجةً لعمليات عشوائية غير مقصودة، بقيت تتكرر وتدور في الحياة حتى تكوّن الكون ونشأ، ووصل إلى ما هو عليه الآن، وأنه لا أحد وراء هذه الأفعال. ولم تنبني هذه الأقوال على أسس أو أصول لتُثبت صحتها، ولم يستطيع أصحابها الوصول لمرحلة إقرار ذلك في العقل السليم، أو إقناع أنفسهم بذلك.
وللردّ عليهم يقول علماء الإسلام أنّ دليل وجود الخالق، وحقيقة نشأة الكون، أمر وضّحه القرآن الكريم في كثير من المواضع، فقال تعالى: “أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ” سورة الطور35. والقول بأن الكون وُجد على سبيل الصدفة أمر لا صحة فيه، وهو بعيد كل البعد عن الحق والصواب، ولا يمكن للعقول السليمة أن تؤيد المصادفة في وجود الكون، ومَن يعتقد ذلك قد يجد نفسه في عداد المجانين، الذين نقصت عقولهم ولا تفكير لديهم.
وإن كان الكون بطريق المصادفة، فإنه من الخيال أن تُحسب المدة التي سيستغرقها حتى يصل إلى ما عليه الآن، فضلاً عن عدم القدرة على تصوّر ذلك، فكل شيء في هذا الكون يدل على أنه هناك خالق عظيم، وراء هذا الكون الذي خُلق بدقة وحكمة، لا خلل فيه ولا عيب، كما أنه كامل ومتقن لا نقص فيه.
ثانياً: الطبيعة هي الخالق:
ومن الشبهات والأوهام التي كان لها رواجاً عند بعض الملحدين، قول: الطبيعة هي التي أوجدت نفسها، وأحدثت ما في الكون من خلق، ويُوازي أصحاب هذه الشبهة، أصحاب شبهة المصادفة في فكرهم وظنونهم، ويكررون أقوالهم بأساليب أخرى، وألفاظ جديدة.
ويقول العلماء المسلمون أنهم لا يحتاجون إلى الردّ على أهل شبهة الطبيعة هي الخالق؛ لأنّ في قولهم فساد، قد سبق ذكره في أقوال مَن قبلهم من أصحاب الشبهات، ويعنون بأن الكون خلق نفسه، وتم بيان أنّ العقل السليم لا يستوعب الإقرار بأنّ الأشياء تخلق نفسها، كذلك الطبيعة لا تملك عقلاً ولا حواساً، لتقدر على خلق نفسها، فكيف تستطيع أن تخلق البشر والشجر والحيوان؟ فهذا أمر غير معقول.
ثالثاً: نظرية دارون:
نظرية دارون هي نظرية تزعم بأنّ جميع الخلق نشأ من أصل واحد، وهو حيوان صغير ظهر في الماء، وتعرض لظروف مختلفة على مدى الزمن، وفي كل فترة اختلفت الظروف، أنشأ هذا الحيوان كائناً جديداً بصفات مختلفة، حتى وصلت به الظروف والأزمان إلى خلق الإنسان، حيث انتهى ظهور المخلوقات الجديدة بخلق الإنسان.
وانتشرت نظرية دارون انتشاراً كبيراً في فترة من الفترات، وكان ذلك في وقت أراد الله عز وجل أن يظهر الباطل والبهتان، الذي جاءت به مثل هذه النظريات من أوهام وشبهات. وكانت هذه النظرية سبباً في الكثير من المعارك التي كان ضحيتها عدداً من العلماء؛ لأنّها أدت إلى بعدهم عن دينهم وانحراف عقولهم عن العقيدة السليمة. لكن بأمر الله تعالى تم إعلان بطلان نظرية دارون، من قِبل بعض العلماء الذين تأثروا سلبياً بهذه النظرية.
وكان رد العلماء المسلمين على هذه النظرية، بأنّ أصحابها تجرؤوا على جلال الله تعالى ومكانته؛ لأنّهم تحدثوا بأصل خلقهم، وهم لم يشهدوا بداية الخلق وأصله، ولم يُصيبوا في أقوالهم وأفكارهم، قال تعالى: “مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ” سورة الكهف 51.
والحق الذي قرره الله تعالى هو عكس ما تتحدث به نظرية دارون؛ لأنه خلق البشر خلقاً متقناً مستقلاً، وحدّث في كتابه العزيز عن خلقه للإنسان، وأنه خلقه من تراب، قال تعالى:”فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ “سورة الحج 5. كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم أنه خلق الإنسان من أصل واحد، وهو النبي آدم _عليه السلام_، قال تعالى: “يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء” سورة النساء 1.
وقد جاء الوقت الذي يفيق به أصحاب العقول المتعطلة، ويتوجهون للحق في أفكارهم وأقوالهم، ويضعون ما تستوعبه عقولهم من نظريات؛ لأن أصحاب النظريات الباطلة أصبحوا مثالاً للهزيمة الفكرية على مدى التاريخ.