قصة الإسراء والمعراج:
لقد اشتد الهم بالنبي عليه الصلاة والسلام وزاد الحزن في ليلة من الليالي، التي لها ذكرى في هذه الأمة، صلّى النبي عليه الصلاة والسلام صلاة العشاء الآخرة ثم ذهب إلى بيت أم هانئ فنام بعد العِشاء، وفي الليل جاء جبريل عليه السلام للنبي يوقظه، واستيقظ النبي عليه الصلاة والسلام وخرج من بيت أم هانئ ومرّ على البيت ثم خرج مع جبريل، فيقول: رأيت دابة عظيمة وغريبة الشكل تملكُ جناحان وهي دابة تحملُ الأنبياء وتحط حافرها في نهاية طرفها واسمها البراق.
الإسراء:
لقد رقي النبي عليه الصلاة والسلام البراق وأخذت تسري به في تلك الليلة باتجاه بيت المقدس فما أعظمها وأجملها من رحلة فيها خير الخلق على دابة الأنبياء ويرافقه جبريل عليه السلام، وفي الطريق رأى قافلة وشاهد منها أمور غريبة حتى وصل إلى بيت المقدس وكلّ أهل مكة نائمون ولا أحد يدري عنه ووصل إلى بيت المقدس، فوجد فيها لأول مرة إبراهيم الخليل عليه السلام يقول: أشدّ الناس شبهًا به صاحبكم أي هو عليه الصلاة والسلام ورأى موسى عليه السلام يقول: رجل طويل أعدم جعد كأنه من رجال شنوءة ووجد عيسى عليه السلام رجل أحمر الوجه لا قصير ولا طويل سِقط الشعر أشد الناس يشبه عروة بن مسعود الثقفي.
وعندما وصفهم وهم في جمعٍ من الأنبياء في بيت المقدس في الأرض المباركة، صلّى النبي إمامًا بالأنبياء، ثم بعد أن صلى بهم قُدِم لها إناءان، إناءٌ من لبن وإناءٌ من خمر فاختار النبي عليه الصلاة والسلام الإناء الذي فيه اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: هُدية للفطرة وهُدية أمتك ولو شربت الخمر لغُويت وغُويت أمتك.
ثم عاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى فراشه في بيت أم هانئ ونام في تلك الليلة، وحينما أصبح أخبر أم هانئ بما حصل معه وقال لها: ذهبتُ وصليت في بيت المقدس وعدت، قالت أم هانئ: لا تخبر أحدًا بذلك، فإن أخبرتهم فلن يصدقك الناس وسيأذوك، فوالله لأحدثنهم، وفي الصباح نادى على أهل قريش وأخبرهم بأنه صلّى في بيت المقدس مع الأنبياء، فكانت هذه فرصة المشركين الآن، أخذوا ينشرون بين الناس ويقولون: إن العير لتضرب شهرًا إلى بيت المقدس وشهرًا حتى تعود منها وصاحبكم يقول: أنه في ساعة صلّى ببيت المقدس ورجع، حتى أن أصحاب الدين صاروا يشككوا في أمره.
وبعد ذلك ذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يدعي أنه ذهب إلى بيت المقدس، وصلّى وعاد في ليلة واحدة أي في ساعة واحدة، فردّ أبو بكر وهو هادئ: إذا كان قد قال هذا فإنه صدق، فإني أصدقه في خبر السماء يأتيه وهو جالس عندي أفلا أصدقه في هذا، فأنزل الله تعالى في أبي بكر: “وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” الزمر:33.
فلما تجمع المشركون ومعهم أبو بكر وبعض الصحابة على الرسول عليه الصلاة والسلام ما الخبر وماذا تقولون، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام ما زار بيت المقدس قبل هذا، فقال لهم: سأصف لكم بيت المقدس وكان هناك بعض من الناس قد شاهدوا بيت المقدس، وأخذ النبي يصفه حجرًا حجرا ويقول: رُفع لي بيت المقدس كأنني أراه وكل ما قال شيئًا، قال أبو بكر: صدقت يا رسول الله صدقت وصدقت حتى قال له النبي عليه الصلاة والسلام: أنت صدّيق هذه الأمة.
ثم تحدى المشركين وقال رأيت عيرًا في الطريق وفيها كذا وكذا وأخبرهم بأوصافها كاملة وأنها ستأتيكم في اليوم الفلاني من ثنية التنعيم، فانتظر المشركون في ذلك اليوم وإذ بالقافلة كلها تصل وإذ بالمؤمنين يزدادوا إيمانًا والنبي سرّي عنه بعد هذا الإسراء وكل أهل التقوى ازدادوا يقينًا، أما المشركون ازدادوا غضبًا وحنقًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” الإسراء:1.
المعراج:
وبعدها عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى وكان جبريل برفقته، رؤية المعراج ليس هناك أجمل منها، النبي يرتقي من هذه الأرض إلى السموات، فاستفتح له جبريل عليه السلام السماء ولكلّ سماء أمنتها وحفظتها من الملائكة، قالت الملائكة: من، قال: جبريل، سألته ومن معك؟ قال: محمد عليه الصلاة والسلام، وقالت الملائكة: هل بُعث، قال: نعم، ففتحت أبواب السماء للرسول الله عليه الصلاة والسلام.
رحلة النبي عليه الصلاة والسلام في السماوات السبع:
دخل النبي عليه الصلاة والسلام السماء الدنيا وهي الأولى، شاهد فيها رجلاً ترفع له النسمات كل روح تقبض في الأرض وترفع إليه، فإذا شاهد روحًا مؤمنة فرح، وإذا شاهد روحًا كافرة حزن فقال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل: من هذا؟ قال: إنه أبوك آدم وألقى عليه السلام، فرد آدم أهلاً بالابن الصالح والنبي الصالح إنه محمد عليه الصلاة والسلام.
وبعدها ارتقى إلى السماء الثانية، ففتحت له أبواب السماء وكلما مرّ عليه ملاءٌ من الملائكة سلموا عليه واستبشروا به ورحبوا به، فرأى فيها ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى ابن زكريا، فسلما عليه وقالا له: أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
وبعدها ارتقى النبي عليه الصلاة والسلام إلى السماء الثالثة ورأى فيها رجلًا فائق الجمال قد أوتي شطر الحُسن، فسأله: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا يوسف ابن يعقوب هذا الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، فألقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام، فردّ يوسف، أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
وبعدها ارتقى للسماء الرابعة فرأى فيها إدريس عليه السلام، فسلم النبي عليه الصلاة والسلام ورفعناه مكانًا عليا، وبعد ارتقى إلى السماء الخامسة، فرأى رجلاً ذو لحية بيضاء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل: من هذا، قال: هذا الذي أحبه قومه إنه هارون ابن عمران عليه السلام، فسلّم عليه وردّ هارون السلام عليه وقال: أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح.
وبعدها ارتقى النبي للسماء السادسة فرأى فيها رجلاً طويلاً آدم أقنى، إنه موسى عليه السلام فسلّم عليه وردّ السلام أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم وصل للسماء السابعة وقد رأى رجلاً مسندًا ظهره إلى البيت، أي بيت هذا! إنه البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة لا يدخلون من مرة أخرى، فمن هذا الرجل الذي يستند بظهره إلى هذا البيت، قال هذا أبوك إبراهيم الخليل فسلّم عليه وردّ السلام وقال له: أهلاً بالابن الصالح والنبي الصالح، وهنا توقف الأنبياء، وبعد السماء السابعة لم يرقى بعدها نبيّ من الأنبياء.
أما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ارتقى عن السماء السابعة ووصل إلى شيء هو نهاية الخلق واسمه سدة المنتهى، حتى جبريل عليه السلام لما وصل إلى هذه المرتبة لم يستطع أن يرتقي أما رسولنا الكريم فقد ارتقى ويقول رأيت جبريل في هذا المكان، يخاف جبريل من مقام ربه فيقول رأيته كالحِلس البالي أي مثل الثياب التي سقطت على الأرض، فقال تعالى: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ- عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ- عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ” النجم:13-15. فهذه المرتبة لم يصل إليها نبيّ ولا ملك، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام نورٌ فكلم ربه مباشرة، لكن حجاب الله عن النور قال: لو كُشف هذا الحجاب لأحرقت ملامح وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، أيّ بمعنى أن الخلق سيحترق لو كشف الله هذا الحجاب.
وفي تلك السماء فرض الله تعالى على نبينا وعلى أمته أعظم العبادات وهي الصلاة، فرض ربنا تلك الشعيرة فوق السبع سماوات، وفرضها الله خمسين صلاةٍ في اليوم والليلة من الفجر إلى الفجر وجب على هذه الأمة أن يصلو خمسين صلاة وكلّ صلاةٍ أكثر من ركعة، فأقبل النبي راجعًا فمرّ على موسى عليه السلام فسأله عما فريض الله تعالى عليه، فقال له فرض عليّ الصلاة فسأله النبي عليه الصلاة والسلام كم فرضها عليك قال: خمسين صلاة، قال: إن امتك لن تقدر عليها، وكان موسى رفيقًا بأمته وبأمة محمد، فارجع إلى ربك واسأله التخفيف.
ورجع النبي إلى ربه لكي يشفع لأمته لكي يخفف عنها عدد الصلوات، فأنزل الله تعالى له من الخمسين إلى الأربعين، ولقي موسى وهو في طريقه فسأله: كم جعلها الرب لك فأجاب أربعين، فقال له ارجع لربك فإن أمتك لن تقدر عليها، ورجع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه وطلب منه التخفيف فصارت ثلاثين ثم كل مرة ينزل فيها حتى صارت عشرًا ثم بعدها أنزلها الله لخمس صلوات، وبعدها نزل إلى موسى وقال له: لقد خففها الله إلى خمس صلوات، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لن تقدر عليها، فردّ النبي على موسى لقد استحيت من ربي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: “من أتى بهنّ وصلاهن إيمانًا واحتسابًا كنّ له كخمسن صلاة”.