ما هي قصة توبة ابن هارون الرشيد؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة ابن هارون الرشيد:

لقد ذُكِر عن عبد الله بن الفرج العابد أنه يقول: بحثتُ يوماً عن أحدٍ يصنعُ لي شيئاً من أمر الروزجاريين، فذهبتُ إلى السوق، وإذ بشابٍ مصفر، يحملُ بين يديهِ زنجبيلٌ كبير وطعمه مُر. وكان على رأسه جبةٌ من الصوف، ويلبس أيضاً  مئزراً من الصوف، فجئت إليه وقلت له: أتعمل، قال: نعم. وكم تأخذ أجرك، قال: أخذ درهمٌ ودانق.

فقلتُ له انهض لكي تعمل، قال: ولكن لي عندك شرط، قلتُ ما هو، قال: إذا دخلت صلاة الظهر وأذن المؤذن، أخرج وأتوضأ وأصلي في المسجد مع الجماعة ثم أعود، وكذلك العصر، إذا دخل وقت صلاة العصر أفعلُ كذلك، فقلتُ له: نعم.

فخرجنا معاً وسرتُ إلى المنزل، وتوافقتُ معهُ بكل ما يتناقله من موضعٍ إلى موضعٍ آخر، فشدّ على خصره وصار يعملُ بجدٍ دون أن يُكلمني بأي شيءٍ حتى نُودي للصلاة الظهر، فقال لي: يا عبد الله لقد أذن المؤذن، قلتُ له افعل ما شئت، وخرج للصلاة وصلّى الجماعة، وحينما عاد بقي يعملُ بجدٍ أيضاً حتى دخل العصر، قال لي أذن المؤذن فقلت له اذهب، وراح يُصلي العصر جماعة في المسجد، ثم عاد. وبقي يعمل بجدٍ حتى وصل آخر النهار، فزنتُ له أجرهُ وذهب.

وبعد أيامٍ احتجنا إلى عملٍ، وطلبت مني زوجتي أن أجلب لها ذاك الصانع الذي عمل لديهم، فإنه أخلص جداً في عمله ونصحنا فيه. فسرتُ للسوق ولم أشاهد ذلك الصانع، فقالوا له: هل تبحث عن ذلك الشخص المشؤوم المُصفر الذي لا نشاهده إلى في يوم السبت إلى السبت، فإنه يجلسُ دائماً وحدهُ بعيداً عن الناس.

قال: فعدتُ إلى بيتي، ورجعت للسوق يوم السبت، وإذا بالشابِ جالسٌ فأتيتُ إليه وقلتُ له: هل تعمل: قال لي أعمل ولكن علمت ما هو الشرط وعلمت كم الأجرة، فقلتُ أستخير ربي تعالى. فأتى معي إلى منزلي، وعمل بجدٍ كما عمل أول مرةٍ، وعندما أنهى عملهُ، زِنتُ له أجرهُ وعمدتُ على زيادتها، ولكنه أصرّ على أن لا يأخذ الزيادة، وصرتُ أُلحّ عليه ولكنه ضجر مني وتركني وذهب. وتبعتهُ وداريتهُ حتى أخذ أجرهُ فقط.

وبعد برهةٍ من الوقتِ احتجنا إلى صانع في البيت، فذهبتُ للسوق يوم السبت لكي أجلب نفس الشاب، ولكني لم أجدهُ، وسألتُ عنه، وقالوا لي أنه مريض، فسألهم هل من أحدٍ منكم يُخبرني عن حاله ووضعه، فأجابهُ أحدهم، إنه كان يأتي للسوق كل سبتٍ يشتغل بدرهمٍ ودانق، وأنه الآن مريض، فسألتُ عن بيتهِ وأتيتُ إليه، وهو يسكن في بيت عجوزٍ، فسألتها؟ هل الشاب الوزجاري هنا؟ فأجابتني أنه مريض منذ عدة أيام.

وحينما دخلت عليه وجدتهُ تعباً جداً وتحت رأسه لبنةً، فاقتربتُ منه، وسألته، هل لك شيءٌ تقوله لي، قال: نعم إذا قبلت، فقالتُ له: سألبي لك طلبك إن شاء الله، فقال: إذا قبض الله روحي، بِع هذا المر، واغسل جبتي هذه ومئزري وكفني بهما، واثقب جيب الجبةِ، فإن فيها خاتماً، وترقب يوماً يركبُ هارون الرشيد، وانتظره في مكانٍ يراك، وتحدث معهُ وأرهِ هذا الخاتم؛ فإنه سيدعو بك، وأعطهِ الخاتم ولا يكون ذلك الأمرُ إلا بعد ما تدفنوني، فقلت له: حسناً.

وحينما توفي هذا الشاب، فعلتُ ما طلبهُ مني، وجلستُ انتظر اليوم الذي يركبُ فيه هارون الرشيد، وحينما آتى، ناديتهُ يا أمير المؤمنين، إنّ لك عندي أمانة، وصرتُ ألوحُ بالخاتم، وبعدها أخذني إلى داره، وصرفَ كلّ من عنده، وسألني من أنا، فقلتُ له عبد الله بن الفرج، وسألني عن الخاتم، ومن أين جلبتهُ، فقصصتُ له قصت الشاب، وصار هارون الرشيد يبكي حتى رحمتهُ، وحينما ارتاح إلي قلت: يا أمير المؤمنين، من هو هذا الشاب، قال: إنه ابني، وسألته كيف وصل إلى تلك الحال.

فقال: لقد وُلد ابني هذا قبل أن أبتلي بالخلافة، ونشأ نشوءً سليماً، وتعلم القرآن الكريم والعلم، فعندما أخذت الخلافة، قام بالانفصال عني، ولم يأخذ من دنياي شيء، فأعطيتُ هذا الخاتم لأمه، وهو من الياقوت ويساوي مالاً كثيراً، فأعطتهُ لابنها؛ لأنه كان بارّاً بوالدته، وتسألينه أن يكون معه، فقالت: لعله يحتاج إليه يوماً وينتفعُ به.

فماتت أمه، ولم أعلم عنه خبراً، إلا ما أتيتني به الآن أنت، فطلب هارون إلى الرجل بأن يخرج معه إلى قبر ابنه، فعندما جاء الليل، أتى قبره وجلس إليه، وصار يبكي بكاءً في غاية الشدة حتى طلع الفجر، فقال عبد الله، والله إني لا أعلمُ أنه ابنُ الرشيد حتى أخبرني أبوه أمير المؤمنين.


شارك المقالة: