ما هي كيفية الخشوع في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها؟

اقرأ في هذا المقال


الخشوع في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها:

الخشوع في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها: إن الخشوع في تلاوة القرآن يكون في الصلاة وخارج الصلاة، والخشوع في قراءته في الصلاة أعظم وآكد، وأهل الإيمان يتأثرون بقراءة القرآن فيخشعون لله، داخل الصلاة وخارجها، وهذا التأثير يكون على النفوس والقلوب والأرواح، وهذا التأثير جاء على أنواع على النحو الآتي:

النوع الأول: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء في القرآن الكريم
:
إنّ القرآن العظيم يؤثرٌ في القلوب ويؤثر في النفوس والأرواح؛ وذلك لأنه كلامُ الله العليم الحكيم بما يصلح هذه القلوب والنفوس في الدنيا والآخرة، ومن هذا التأثير هو ما يلي:
تأثيره على علماء أهل الكتاب وغيرهم من أهل العقول، فقال الله تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ المائدة:83.
الذين أوتوا العلم من قبله يتأثرون به، فقال الله تعالى: “قُل آمنوا به أو لا تُؤمِنوا إنّ الّذين أوتُوا العِلم من قبلهِ إذا يُتلى عليهم يَخرّون للأذقان سُجداً- ويقولون سبحانَ ربّنا إنّ كان وعدُ ربّنا لمفعولاً- ويَخرّونَ للأذقانِ يبكون ويزيدهم خُشوعاً” الإسراء:107-109.
الذين أنعم الله عليهم إذا تتلى عليهم أيات الرحمن خرواً سجداً وبكياً قال الله تعالى: “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا“مريم:58.
من علامات الإيمان التأثر بالقرآن وزيادة الإيمان: قال الله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” الانفال:2.
المؤمنون الصادقون في إيمانهم، الخائفون من ربهم تقشعر جلودهم: عند قراءة القران، قال الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” الزمر:23.
الصادقون مع الله تخشع قلوبهم لذكر الله، قال الله عزوجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ” الحديد:16. عن عامر بن عبد الله بن زبير أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن أنزلت هذه الأيه يعاتبهم الله إلا أربع سنين وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الأية: “ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع سنين”.
النوع الثاني: تأثير القران في القلوب والنفوس كما جاء ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم : وجاءت الأحاديث تدل على خشوع النبي صلى الله عليه وسلم وتأثره بقراءة القران الكريم ومن ذلك ما يأتي:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القران فبكى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي القرآن، قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري وفي لفظ للبخاري: فإني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه النساء حتى إذا بلغت: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً، وفي لفظ آخر للبخاري: فقال حسبك الأن، فرفعت رأسي، أو غمزني رجل فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تسيل، وفي لفظ للبخاري.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: “إن الله عزوجل أمرني أن أقرأ عليك، قال، الله سماني لك؟ قال: الله سماك لي، قال فجعل أبي يبكي، وفي رواية إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لم يكن الذين كفروا، قال: وسماني لك؟ قال: نعم قال: فبكى”.

وعن عائشه رضي الله عنه في حديث طويل ذكرت فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  بالليل، وأنه بكى مرات، قالت: فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رأه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؛ لقد نزلت علي الليلة أية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إن في خلق السموات والأرض.
وعن عبد الله بن عمروا رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عزوجل في إبراهيم : رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني، وقال عيسى عليه والسلام إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى فقال الله عزوجل: يا جبريل إذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام  فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم  بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بأية حتى أصبح يرددها، إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يبكي بشهيقٍ ورفع صوتٍ، كما لم يكن ضحكه قهقهةً، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملان، ويسمع لصدرة أزيز، وكان بكاؤه: تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها، وتارة خشية لله تعالى، وتارة عند سماع القران، وهو بكاءٌ إشتياقٍ ومحبة وإجلال.
النوع الثالث: تأثير القران الكريم على القلوب والأرواح والنفوس كما جاء في الأثار عن السلف الصالح:
ثبت عن جبير بن مطعم رضي لله عنه: أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الأية: “أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم  الخالقون أم  خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون، أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون” متفق عليه سورة الطور، كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وهذا من أعظم البراهين على تأثير القران في القلوب.
ذكر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة صلاة الصبح، فقرأ سورة يوسف، فبكى حتى سألت دموعه على ترقوته، وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فيدل على تكريرة منه، وفي رواية أنه بكى حتى سمع بكاؤه من وراء الصفوف.
وذكر أنه قدم أناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه “هكذا كنا، ثم قست القلوب”.
وذكر عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع والذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يبكي من خشية الله تعالى، هو علمه بالله تعالى وأسمائه وصفاته وعظمته، وعلمه بما أخبر الله به من أمور الآخرة؛ ولهذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وفي لفظ قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً” رواه البخاري.
وعن أبي ذر رضي الله عنه في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي  قوله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، وهكذا أصحابه رضي الله عنه وأتباعهم بإحسان: علمهم بالله تعالى وبما أخبر به عن الدار الاخرة جعلهم يخشون الله تعالى، ويخشون في قراءتهم لكتابه، وفي صلاتهم، ويتأثرون بكلامه عز وجل.


شارك المقالة: