الفدية في الجماع قبل الوقوف بعرفة:
يرى الجمهور أن عليه بدنة، سواء جامع قبل الوقوف بعرفة أو بعده، أما أبو حنيفة فقد فرق بين ما إذا وقع الجماع قبل الوقوف بعرفة أو بعده فإن وقع قبل الوقوف: فعليه شاة. وإن وقع بعد الوقوف فعليه بدنة. والأدلة على ذلك هي:
– استدل الجمهور، بإجماع الصحابة: إن ما نقل عن عمرو وابن عباس رضي الله عنهما وجوب البدنة دون تفرقة بين ما إذا كان الجماع قبل الوقوف أو بعده. وأيضاً أنه جماعٌ صادف إحراماً تاماً، فوجبت به البدنة سواء كان قبل الوقوف أو بعده.
– واستدل الحنفية: بما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال” البدنة في الحج في موضعين أحدهما إذا طاف للزيارة جنباً ورجع إلى أهله ولم يُعدّ، والثاني إذا جامع بعد الوقوف”. ولما روي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سئل عن الهدي فقال: أدناه شاة. واعتبار البدنةِ بما قبل الوقوف غير سديد؛ لأن الجناية قبل الوقوف أخف من الجناية بعد لأن الجماع قبل الوقوف أوجب القضاء؛ لأنه أوجب فساد الحج والقضاء خلف عن الفائت فيجبر معنى الجناية فتخف الجناية، فيوجب نقصان الموجب، فكان الواجب عليه شاة وبعد الوقوف لا يفسد الحج، فلم يجب القضاء ولم يوجد ما تجب به الجناية فبقيت متغلظة، فتَغلظ الموجب.
والراجح هنا: أن التفرقة التي قال بها الحنفية وسبب ذلك، أنه لما جامع قبل الوقوف ترتب عليه فساد الحج، فوجبت عليه شاة لوجوب القضاء عليه في العام المقبل، أما بعد الوقوف فلا فساد فشدد عليه الواجب لذلك كان بدنة.
ولو جامع مراراً فما الحكم؟ لقد اختلف الفقهاء في هذا على النحو التالي:
– عند الحنفية: أنه لو تكرر الجماع في مجلس واحد، فالاستحسانِ أن لا يجب عليه إلا دم واحد والقياس أن يجب عليه لكل واحد دماً. وعلة القياس أن سبب الوجوب قد تكرر، فتكرر الواجب. علةِ الاستحسان: أن أسباب الوجوب قد اجتمعت في مجلس واحد من جنسٍ واحد فاكتفى فيها بكفارةٍ واحدة؛ لأن المجلس جامع بين الأفعال المتفرقة كما يجمع بين الأقوال المتفرقة قياساً على تكرار الإيلاج في الجماع الواحد، فإنها لا توجد إلا كفارة واحدة وإن كان كل إيلاجهِ لو انفردت أوجبت الكفارة فكذا هذا.
– عند المالكية ومشهور الشافعية: أنه لو جامع مراراً لا يجب عليه الا شاة واحدة سواء كفر عن الأول أو لم يكفر.
– عند الحنابلة روايتان: الأولى أنه إذا تكرر الجماع فإن كفر عن الأول وقوع الثاني فعليه كفارة للثَاني كالأول، فإن لم يكن قد كفر عن الأول حتى وقع الثاني فكفارة واحدة وبهذا قال محمد من الحنفية. والثانية: أن عليه لكل وطء كفارة؛ لأنه سبب للكفارةِ فأوجبَها كالوطء الأول والمذهب على الرأي الأول. واستدل الحنابلة بأنه جماع موجب للكفارة، فإذا تكرر قبل التفكير عن الأول لم يوجب كفارة ثانية قياساً على الصيام، وهذا بالنسبة للرجل الواطئ، أما المرأة الموطوءةِ فهل عليها فدية أم لا. نقول أما أن تكون طائعة أو مكرهة، فإن كانت طائعة؛ فعليه بدنة، وبهذا قال ابن عباس وسعيد ابن المسيب. ولأن ابن عباس قال: إهد ناقة ولتهد ناقة. ولأن المرأة أحد المُتجامعين من غير إكراه فلزِمتها بدنة كالرجل.
أما إذا كانت المرأة مكرهة أو نائمة: فقد وردت عن الحنابلة ثلاث روايات.
1. لا هدي عليها وليس على الرجل أن يهدي عليها، وبهذا قال اسحَاق وأبي ثور وابن المنذر؛ لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدةً قياساً على الصيام.
2. ووافَقة مالك وعطاء: أن عليها فدية، ويتحملها عنها الزوج؛ لأن إفساد الحج وجد منه في حقهما، فكان عليه لإفساده حجها هدي قياساً على حجهِ.
3. عن أحمد: أن الهدي يكون على المرأة؛ لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها فكان الهدي عليها قياساً على المطاوعة.
الأدلة من الآثار على الجمع في عرفة:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: “أتى رجلٌ عبد الله بنَ عَمرٍو فسأله عن مُحرِمٍ وقع بامرأتِه؟ فأشار له إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، فلم يَعرِفْه الرَّجُل، قال شعيبٌ: فذهبتُ معه، فسأله؟ فقال : بطَلَ حَجُّه، قال: فيقعُدُ؟ قال: لا، بل يخرُجُ مع النَّاسِ فيصنَعُ ما يصنعونَ، فإذا أدرَكَه قابِلٌ حَجَّ وأهدى، فرجِعا إلى عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو فأخبَرَاه، فأرسَلَنا إلى ابنِ عَبَّاسٍ، قال شعيبٌ: فذهبتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ معه، فسأله ؟ فقال له مِثلَ ما قال ابنُ عُمَرَ، فرجع إليه فأخبَرَه، فقال له الرجل: ما تقولُ أنت؟ فقال مثلَ ما قالا”. أخرجه ابن أبي شيبة.