ما هي ضوابط البكاء في الصلاة؟

اقرأ في هذا المقال


ضوابط البكاء في الصلاة:

البكاءُ إن كان من خشية اللهِ والتأثر بالقرآن وبكلام الله تعالى أو الوقوف بين يدي الله تعالى؛ فلا تُبطل الصلاة، لأنهُ مقصودٌ في ذاته، فهو أدعى إلى القبول، أما إنّ كان البُكاء تصنعاً وتعمداً ومراءاةً وإظهاراً لعبادتهِ أمام الناس فتُبطل الصلاة، ولا يمكن الحكم على الشخص بذلك؛لأن هذا أمرٌ لا يعلمه إلا الله، إلا إذا أقر هو بهذا، أو عَلم على وجه اليقين.

-يقول الإمام الجصاص من فقهاء الحنفية:

قال الله تعالى: “وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا” ويشبههُ قوله تعالى: “خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا”. والدلالةُ هنا على أن البكاء في الصلاة من خوف من الله فإنهُ لا يقطع الصلاة؛ لأن الله تعالى قد مدحهم بالبكاء في السُجود ولم يفرق بين سجود الصلاة وسجود التلاوة وسجدة الشكر .

لقد روى سفيان بن عيينة قال: حدثنا إسماعيلُ بن محمد بن سعد قال: سمعتُ عبد الله بن شداد، قال: سمعتُ نشيجُ عمر رضي الله عنه، وإني لفي آخر الصُفوف، وقرأ في صلاة الصبح سورة يوسف حتى إذا بلغ “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله” نشج ولم ينكر عليه أحدٌ من الصحابة وقد كانوا خلفهُ، فصار إجماعاً وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاءِ”.

والأزيزُ هو أن يجيشُ أو يفيضُ جوفه ويغلي من البكاء وقوله: “من البكاء” فيها دليلٌ على أن البكاء لا يُبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا، وقد قيلَ إن كان البكاء من خشية الله لما يبطل، وهذا الحديث يدل عليه وما يدلُ عليه أيضا هو ما رواه ابن حبان بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح”.

وقد بوب عليه ذكرُ الإباحةِ للمرء بأن يبكي من خشية الله . وأخرج البخاري وسعيد بن منصور وابن المنذر أن عمر رضي الله عنهُ صلّى صلاة الصُبح وقرأ سورة يوسف حتى بلغ إلى قوله تعالى: “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله” فسمع نشيجه . واستدل المصنف على جواز البكاء في الصلاة بالآية التي ذكرها؛ وذلك لأنها تشمل المصلي وغيره.

أما في الموسوعة الفقهية الكويتية:

رأي الحنفية: إن سبب البكاء في الصلاة إذا كان ألماً شديداً أو مصيبةً، فإنه ييطلُ الصلاة؛ وذلك لأنه يُعتبر من كلام الناس، وإذا كان سببهُ ذكرُ الجنة أو النار فإنه لا يفسدُ الصلاة؛ لأن ذلك يدلُ على زيادة الخشوع، وهو المقصود في الصلاة، وكان في معنى التسبيح أو الدعاء. ويدل على هذا الأمر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : “أنه كان يُصلي بالليل وله أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء”رواه البخاري.

عن أبي يوسف قال: أن هذا التفصيل فيما إذا كان على أكثر من حرفين، أو على حرفينِ أصليين، أما إذا كان على حرفينِ من حروف الزيادةِ، أو أحدها من حروف الزيادة والآخر أصلي، لا تُفسدُ في الوجهين معاً، وحروفُ الزيادة عشرة يجمعها قولك: أمان وتسهيل.

أما رأي المالكية في هذا الأمرِ: قال: البُكاء في الصلاة قد يكون بصوت،وقد يكون بلا صوتٍ، فإن كان البكاء بلا صوت، فإنه لا يُبطل الصلاة، وسواء أكان بغير اختيار، بأن غلبه البكاء تخشعاً أو لمصيبةٍ، أم كان اختيارياً ما لم يكثر ذلك في الاختياري. وأما إذا كان البكاء بصوتٍ، فإن كان اختيارياً فإنه يُبطل الصلاة، سواء كان لمصيبة أم لتخشعٍ، وإن كان بغير اختيارهِ، بأن غلبهُ البكاء تخشعاً لم يُبطل، وإن كثر، وإن غلبهُ البكاء بغير تخشع أبطل.

أما رأي الشافعية في البُكاء في الصلاة قال: إن البُكاء في الصلاة على الوجه الأصح فإذا ظهر به حرفان، فإنهُ يبطل الصلاة؛ وذلك لوجود ما يُنافيها، حتى وإن كان هذا البُكاء سببهُ الخوف من الآخرة.

إنّ في الأصح: أنهُ لا يُبطل الصلاة؛ وذلك لأنه لا يُسمى كلاماً في اللغة، ولا يُفهم منهُ شيءٌ، فكان يُشبهُ الصوت المُجرد. أما الحنابلةُ فإنهم يرون أنه إن بان حرفان من بكاءٍ، أو تأوه خشيةَ الله، أو أنينٍ في الصلاة فإنها لا تبطل؛ وذلك لأنه يجري مجرى الذكر، وقيل: إن غلبه وإلا بطلت، كما لو لم يكن خشيةً؛ لأنه يقع على الهجاء، ويدلُ بنفسه على المعنى كالكلام، قال أحمد في الأنين: إذا كان غالباً أكرههُ، أي من وجعٍ، وإن استدعى البكاء فيها كُره  مثل الضحك وإلا فلا.

المصدر: وقفات مع صلاة الوتر وأسرار ومعاني دعاء القنوت، تأليف ميادة بنت كامل آل ماضي.كتاب القنوت في ضبط القنوت، تأليف جلال الدين السيوطي.كتاب القنوت في الوتر: الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان.القنوت في صلاة الوتر، الموسوعة الفقهية، تأليف علوي بن عبد القادر السقاف.تحرير القول في حكم القنوت في صلاة الفجر، الفقه الإسلامي.


شارك المقالة: