شعراء العصر الاندلسي
تميز المجتمع الأندلسي بالتنوع الثقافي والأدبي، وكان هذا التميز سببه الكثير من العوامل سواء أكانت عوامل سياسية أو طبيعية أو اجتماعية، وكان لدخول عناصر مختلفة إلى البيئة الأندلسية أثر كبير في تميز العصر الأندلسي وتميز آدابها وفنونها، ولقد برز أدباء وشعراء في هذا العصر وفيما يلي أبرزهم في هذا المقال.
ابن زيدون
هو أبو الوليد، أحمد بن عبدالله المخزومي تمت نشأة ابن زيدون في بيئة مثقفة، وكان والده من أعيان قرطبة وأثريائها، فكان يحضر له الأدباء والمعلمين، وتوفي والده عندما كان عمر ابن زيدون الحادية عشر، فرباه جده لأمه، وكان ينظم الشعر منذ الصغر ويعود سبب ذلك للثقافة التي تلقاها منذ الصغر، وفي ريعان الشباب وقع في حب ولادة بنت المستكفي، ونظم بها شعر الغزل العذري، وذكر جمالها، كما له مدائح كثيرة بالخلفاء، ومن قصائد ابن زيدون في المدح ما قاله في أبي الحزم بن جهور.
كما قام بنظم قصيدة رثاء به، أما عن المدح والرثاء في شعره فقد كان يبدأ مدائحه غالبًا على طريقة القدماء، أما قصائد الرثاء فكان يبدأها بذكر عظمة المصاب، أو بحكمة تتناول تقلب الدهر، كما ارتكز في شعره إلى المبالغة المعنوية واللفظية ومن أشعاره:
أَما عَلِمَت أَنَّ الشَفيعَ شَبابُ
فَيَقصُرَ عَن لَومِ المُحِبِّ عِتابُ
عَلامَ الصِبا غَضٌّ يَرِفُّ رُواؤُهُ
إِذا عَنَّ مِن وَصلِ الحِسانِ ذَهابُ
وَفيمَ الهَوى مَحضٌ يَشِفُّ صَفاؤُهُ
إِذا لَم يَكُن مِنهُنَّ عَنهُ ثَوابُ
وَمُسعِفَةٍ بِالوَصلِ إِذ مَربَعُ الحِمى
لَها كُلَّما قِظنا الجَنابَ جَنابُ
تَظُنُّ النَوى تَعدو الهَوى عَن مَزارِها
وَداعي الهَوى نَحوَ البَعيدِ مُجاب
وَقَلَّ لَها نِضوٌ بَرى نَحضَهُ السُرى
وَبَهماءُ غُفلُ الصَحصَحانِ تُجابُ
ابن زمرك
هو الشاعر المعروف محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، وُلد في مدينة غرناطة، يعتبر من أبرز شعراء الأندلس، تعلم على يد لسان الدين ابن الخطيب، وغيره من الأدباء، وكان يعتبر وزير كبار الشعراء والكُتاب في الأندلس.
واستمر في الشعر حتى اتجه إلى النثر والأعمال الكتابيّة فقام صاحب غرناطة الغني بالله بتعينه كاتم لأسراره، ولكنه كان يسي إلى أغلب أعيان الدولة في أعماله الأدبية والكتابيّة في آخر شبابه، فأرسلوا إليه من قتله وكان رافعًا يده بالمصحف، وعندما توفي تم جمع الموشحات الخاصة به من قبل السلطان ابن الأحمر في مجلد أسماه البقية والمدرك من كلام ابن زمرك ومن أشعاره:
قبةٌ حمراء مُدْ نُضارُها
تطابق منها أرضُها وسماؤُها
وما أرضها إلا خزائنُ رحمةٍ
وما قد سما من فوق ذاك غطاؤُها
وقد شبّه الرحمن خلقتنا به
وحسبُك فخرًا بان منه اعتلاؤُها
ومعروشةِ الأرجاء مفروشةٍ بها
صنوفٌ من النعماء منها وطاؤُها
ترى الطير في أجوافها قد تصفّفت
على نعم عند الإله كفاؤُها
ونسبتها صنهاجة غير أنها
تُقَصِّرُ عمَّا قد حوى خلفاؤها
أبو البقاء الرندي
هو الشاعر صالح بن أبي الحسن بن يزيد بن صالح النغزي، وُلد في مدينة رندة التي تقع في جنوب الأندلس، ويرجع أصله إلى قبيلة نفزة وهي من قبائل البربر،
ولم يذكر شيء عن أسرته في كتب التراجم، ولكن تم ذكر ابنه أبي بكر ولقد توفي وهو في عمر 8 سنوات، ورثاه والده في قصائده، إضافة إلى أن التجربة الشعريّة للرندي كانت مواكبة للحركة الشعريّة في القرن السابع عشر، وهي حركة مشهود لها بالنشاط والغزارة في الإنتاج، وكثرة الشعراء، لذلك فقد تميّز شعر الرندي بالنفس القوي، ويعتبر الرندي من أمهر شعراء المدح فلقد عين شاعر البلاط وكان له علاقة قوية بالدولة وحكامها وتميز في شعر الغزل وبرع في الوصف والرثاء ومن أشعاره قوله:
يا سالبَ القَلبِ مِنّي عِندَما رَمَقا
لَم يُبقِ حُبُّكَ لِي صَبرًا وَلا رَمَقا
لا تَسألِ اليَومَ عَمّا كابدت كَبدي
لَيتَ الفِراقَ وَلَيتَ الحُبَّ ما خُلِقا
ما باِختياريَ ذُقتُ الحبَّ ثانيةً
وَإِنّما جارَتِ الأَقدارُ فاتّفَقا
وَكنتُ في كَلَفي الداعي إِلى تَلَفي
مِثلَ الفراشِ أَحَبَّ النارَ فَاِحتَرَقا
يا مَن تَجَلّى إِلى سرّي فَصيّرني
دَكّاً وَهزَّ فُؤادي عِندَما صعقا
اِنظُر إِليَّ فَإِنَّ النَفس قَد تَلِفت
وَارفُق عَليَّ فإنَّ الرُوحَ قَد زهِقا
لسان الدين بن الخطيب
محمد بن عبدالله بن سعيد بن علي السلماني الخطيب، عاش ابن الخطيب في أسرة أدبية مثقفة تحفزه على كتابة الشعر، فكان منذ الصغر طموحًا يريد تحقيق أهدافه وكان يطمح إلى التفوق على شعراء عصره في الشعر وخصوصًا في مجالس الملوك والأمراء.
ومنهم قصر الأمير أبي الحجاج يوسف، وعرف عن شعره في بداية شبابه أنه غير صادق، بل كان يقول الشعر لمحاكاة الواقع أحيانًا، وبدافع المُعارضة حينًا آخر، وعرف عن شعره أنه كان يعج بالتذمر، وظهرت بعض صور الحزن واليأس من الحياة، كما أنه لجأ إلى التراث، وشعراء الأندلس القديم واستعان بهم في أسلوبه الشعري ومن قصائده:
يَا جُمْلَةَ الفَضْلِ وَالْوَفَاءِ
مَا بِمَعَالِيكَ مِنْ خَفَاءِ
عِنْدِي لِلْوُدِّ فِيكَ عَقْدٌ
صَحَّحَهُ الدَّهْرُ باكْتِفَاءِ
مَا كُنْتُ أَقْضِي عُلاَكَ حَقّاً
لَوْ جِئْتُ مَدْحًا بِكُلِّ فَاءِ
فأوْلِ وَجْهَ القَبُولِ عُذْرِي
وَجَنِّبِ الشَّكَّ فِي صَفَاءِ
ابن خفاجة
هو الشاعر المشهور أبو إسحاق، إبراهيم بن أبي الفتح بن عبدالله، تم ميلاده في شرق الأندلس جزيرة شقر، فكان لجزيرة شقر تأثير كبير في تكوين شخصيته وأسلوب تفكيره، وخصوصًا في توجهه الأدبي وقي خياله الشعري، وفي التجربة الشعريّة فإنّ ابن خفاجة يعتبر من شعراء المدح وورث ذلك عن أجداده، وتميز كذلك في شعر الوصف والغزل.
وكان وصفه يعج بالألوان والصور والتشبيه، أمّا شعر الغزل فلقد عرف عنه أنه شعر رقيق مرهف الحس وصادق، وبخصوص ألفاظه فكانت عبارة عن خليط من القوة والطرافة، وكان شعره يتميّز بِحبكةٍ شعريةٍ قويةٍ متينةٍ، فكان المتلقي يهيم في آفاق وصفية مليئة بالروح والرومانسية، ومن أشعاره:
خُذها إِلَيكَ وَإِنَّها لَنَضيرَةٌ
طَرَأَت عَلَيكَ قَليلَةَ النُظَراءِ
حَمَلَت وَحَسبُكَ بَهجَةٌ مِن نَفحَةٍ
عَبَقَ العَروسِ وَخَجلَةَ العَذراءِ
مِن كُلِّ وارِسَةِ القَميصِ كَأَنَّما
نَشَأَت تُعَلُّ بِريقَةِ الصَفراءِ
نَجَمَت تَروقُ بِها نُجومٌ حَسبُه
بِالأَيكَةِ الخَضراءِ مِن خَضراءِ
وَأَتَتكَ تُسفِرُ عَن وُجوهٍ طَلقَةٍ
وَتَنوبُ مِن لُطفٍ عَن السُفَراءِ
يَندى بِها وَجهُ النَدِيِّ وَرُبَّما
بَسَطَت هُناكَ أَسِرَّةَ السَرّاءِ
أبو إسحاق الألبيري
هو الشاعر إبراهيم بن مسعود بن سعد الغرناطي الألبيري الأندلسي، يعود أصله من أهل حصن العقاب، عرف عنه أنه كان من الأدباء والشعراء المعروفين في غرناطة، نظم الكثير من القصائد التي تناولت مختلف الأغراض الشعرية، وتميز في شعر المدح والرثاء والغزل وغيرها.
ونفاه ملك البيرة نتيجة خلاف وقع بينهم وفي منفاه ألّف قصيدة كانت السبب في ثورة أهالي صنهاجة على الوزير فقاموا بقتله، وكان هذا الوزير هو السبب الرئيسي في نفي الشاعر، وعرف له أكثر من أربعين قصيدة، ومن مميزات شعره أنها اتصفت بالحكمة والموعظة، ومن أشهر قصائده، قصيدته في الحث على العلم، والتي يقول في مطلعها:
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ
أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
أَراكَ تُحِبُّ عِرسًا ذاتَ غَدرٍ
أَبَتَّ طَلاقَها الأَكياسُ بَتّا
تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ
:بِها حَتّى إِذا مِتَّ اِنتَبَهنا
فَكَم ذا أَنتَ مَخدوعٌ وَحَتّى
مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّى
أَبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا
إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
مميزات شعر شعراء العصر الأندلسي
كان شعراء العصر الأندلسي متميزين في:
- التجديد في الأسلوب والمعنى.
- استخدام الألفاظ الجزلة والصور البلاغية الجميلة.
- التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بصدق وإبداع.
وفي النهاية نستنتج أن العصر الأندلسي كان يعج بالشعر والشعراء الذين برعوا في مختلف أغراض الشعر وتفننوا في ذلك، وساعدها على ذلك عدة عوامل طبيعية وسياسية واجتماعية.