الغلمان في العصر العباسي
كثر الغلمان في العصر العباسي، اذ حظي الغلمان بمكانةٍ عظيمة في قصور الخلفاء والأمراء، كما أصبح للغلمان أو الجواري مكانةً في نفوس الخلفاء، حيث كانوا يحزنون عليهم اذا مات أحد من الغلمان (الجواري) وكانوا أيضاً يكتبوا الشعر فيهم.
أصبح هناك نوع من أنواع الرثاء وهو رثاء الجواري والغلمان وأيضاً كانوا يتغزلوا بهم، ومن أشهر من تحدث عن الرثاء هم: الشاعر أبو نواس والشاعر مسلم بن الوليد و الحسين بن الضحاك، وقد ظهر هذا النوع من الغزل بالغلمان أو ما يُعرف بالغزل الشاذ وهذا الغزل هو أسوأ أنواع الغزل حيث دخل هذا الغزل بسبب اختلاطهم للأمم الأجنبية.
غزل الغلمان
كان أبو نواس يقول الغزل في الغلمان؛ لأنّه مؤسس هذا النوع من الغزل وأيضاً مؤسس هذا الفن، فقد قال في غزل الغلمان:
يا معشرَ اللوامِ
عذّبتموني ملاما
فليتَ هذي الفع
ال الحرام طابت وداما
واللَهِ ما طابَ عشقٌ
حتى يكونَ حراما
يا مضن يقول الغواني
أحلى جنيٌ والتزاما
خذ النساءَ ودع لي
مما يلدنَ غلاما
شرطي المراهقُ منهم
قد قاربَ الإحتلاما
ويقول أيضاً أبو نواس في غزل الغلمان:
منْ يكنْ يعْشَقُ النّساءَ فإنّي
منْ يكنْ يعْشَقُ النّساءَ فإنّي مُولَعُ القلْبِ بالغلامِ الظريفِ
حين أوْفَـى على ثــلاثٍ وعشْـرٍ ،
لم يـطُـلْ عهْـدُ أذْنِـــهِ بـالشّـنـوفِ
قال مسلم بن الوليد في هذا الغزل:
خَليلَيَّ لَستُ أَرى الحُبَّ عارا
فَلا تَعذُلاني خَلَعتُ العِذارا
وَكَيفَ تَصَبُّرُ مَن قَلبُهُ
يَكادُ مِنَ الحُبِّ أَن يُستَطارا
لَقَد تَرَكَ الوَجدُ نَفسي بِها
تَموتُ مِراراً وَتَحيا مِرارا
كِلانا مُحِبٌّ وَلَكِنَّني
عَلى الهَجرِ مِنها أَقَلُّ اِصطِبارا
إِذا قُلتُ أَسلو دَعاني الهَوى
فَأَلهَبَ في القَلبِ لِلشَوقِ نارا
وَأَحوَرَ وَسنانَ ذي غُنَّةٍ
كَأَنَّ بِوَجنَتِهِ الجُلَّنارا
قال الضحاك يتغزل بغلاميته:
رَمَتْكَ غَدَاةَ السَّبْتِ شَمْسٌ مِنَ الْخَلْدِ
بِسَهْمِ الْهَوَى عَمْدًا وَمَرْتُكَ فِي الْعَمْدِ
مُخَضَّبَةُ الْأَطْرَافِ رَوْدٌ شَبَابُهَا
مُعَقْرَبَةُ الصَّدْغَيْنِ كَاذِبَةُ الْوَعْدِ
مُزَرَّرَةُ السِّرْبَالِ مُكَوَّرَةُ الْحَشَا
غُلَامِيَّةُ التَّقْطِيعِ شَاطِرَةُ الْقَدِّ
أَقُولُ وَقَلْبِي بَيْنَ شَوْقٍ وَزَفْرَةٍ
وَقَدْ شَخِصَتْ عَيْنِي وَدَمْعِي عَلَى خَدِّي
أَجِيزِي عَلَى مَنْ قَدْ تَرَكْتِ فُؤَادَهُ
بِلَحْظَتِهِ بَيْنَ التَّأَسُّفِ وَالْجَهْدِ
فَقَالَتْ : عَذَابٌ بِالْهَوَى قَبْلَ مَنِيَّةٍ
وَمَوْتٌ أَنَا أَقْرَحْتُ قَلْبَكَ مِنْ بُعْدِ
سَأَشْكُوكِ فِي الْأَشْعَارِ غَيْرَ مُقَصِّرٍ
إِلَى عَاصِمٍ ذِي الْمَكْرُمَاتِ وَذِي الْحَمْدِ
لَعَلَّ فَتَى غَسَّانَ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
فَتَأْمَنُ نَفْسِي مِنْكُمُ لَوْعَةَ الصَّدِّ
أسباب انتشار غزل الغلمان
انتشرت ظاهرة الغلمان في العصر العباسي لأسبابٍ متعددة، منها:
- التأثيرات الثقافية: تأثرت ثقافة العصر العباسي بالحضارات الأخرى مثل الفارسية واليونانية، حيث كانت ظاهرة الغلمان شائعة في تلك الحضارات.
- الظروف الاجتماعية: أدّت العبودية وانتشار الفقر إلى ازدياد أعداد الغلمان الذين يتم بيعهم أو شراؤهم.
دور الغلمان وتأثيرهم على مشاعر الخلفاء
كان للغلمان دورٌ هامٌ في قصور الخلفاء والأمراء، حيث عملوا كخدمٍ ومرافقين، وشاركوا في مختلف الأنشطة الترفيهية والثقافية، وأحبّ بعض الخلفاء والأمراء الغلمان بشكلٍ كبير، وحزنوا عليهم إذا مات أحد منهم.
الآثار الاجتماعية لغزل الغلمان
- تأثيره على الأدب: ساهم غزل الغلمان في إثراء الأدب العربي وإضافة نوعٍ جديدٍ من الشعر.
- تأثيره على العلاقات الاجتماعية: أثار غزل الغلمان جدلاً واسعاً في المجتمع العباسي، حيث اعتبره البعض ظاهرةً شاذةً ومُخالفةً للتعاليم الدينية.
الأبعاد النفسية لغزل الغلمان
دوافع الشعراء: قد يكون شعراء غزل الغلمان قد دفعهم إلى ذلك دوافعٌ نفسيةٌ مختلفة، مثل:
- البحث عن الجمال: سعى بعض الشعراء إلى إيجاد الجمال في الغلمان بدلاً من النساء.
- التعبير عن مشاعرهم: عبّر بعض الشعراء عن مشاعرهم المكبوتة من خلال غزل الغلمان.
تأثير غزل الغلمان على الشعراء: قد يكون غزل الغلمان قد أثر على نفسية الشعراء بشكلٍ سلبيٍ، حيث:
- أدى إلى شعورهم بالذنب: قد شعر بعض الشعراء بالذنب بسبب غزلهم بالغلمان.
- تعرّضهم للانتقاد: تعرّض بعض الشعراء للنقد من قبل المجتمع بسبب غزلهم بالغلمان، ممّا قد يكون قد أثر على نفسيتهم بشكلٍ سلبيٍ.
مقارنة ظاهرة الغلمان في العصر العباسي بظواهر مشابهة في حضارات أخرى
- الحضارة اليونانية: ظاهرة “الغلمان المحبوبين” في الحضارة اليونانية.
- الحضارة الرومانية: ظاهرة “العبيد” في الحضارة الرومانية.
آراء العلماء عند ظاهرة الغلمان
- ذكر بعض العلماء أنّ ظاهرة الغلمان في العصر العباسي كانت ظاهرةً شاذةً ومُخالفةً للتعاليم الدينية.
- اعتبر بعض العلماء أنّ ظاهرة الغلمان كانت ظاهرةً طبيعيةً ناتجةً عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت.
تُعدّ ظاهرة الغلمان في العصر العباسي ظاهرةً تاريخيةً مُثيرةً للجدل، حيث تُثير العديد من الأسئلة حول الدوافع النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة، وتأثيرها على الأدب والمجتمع في ذلك الوقت.