الشعر في العصر العباسي:
حرص شعراء العصر العباسي ونقّاده بوجه عام على أن يدور شعرهم في فلك الأغراض الموروثة. وأن تنتسج أغراضه على منوال الفحول المتقدمين، فحافظ المديح على منزلته السابقة؛ تبعاً لارتباطة الوثيق ببلاط الخلفاء والملوك ومجالس الأمراء والولاة، لكنه السبيل الأول للحظوة عند أولي الأمر، كما أنَّه الطريق الأقصر لبلوغ الشهرة المنشودة.
أغراض الشعر في العصر العباسي:
المديح:
اقترن شعر المديح بالموقف السياسي في العصر الأموي، حين كان للخليفة شعراؤه الذين يمدحونه وينالون عطاياه. وبقى الحال على هذا الغرار في ظل الحكم العباسي، فاصطنع خلفاؤه شعراء موالين لهم لزموهم في حلهم وترحالهم، كما خصوهم بمدائحهم وذادوا عن حقهم في حكم المسلمين.
وقد ظهر في عهد الخلفاء الأوائل عدد وفير من هؤلاء الشعراء، مثل بشار وأبي العتاهيّة والسيد الحميري وأبي نواس والفضل الرقاشي وسلم الخاسر وأبي دلامة وغيرهم. وقد فاق الخليفة المهدي سليفة.
وفي تقريب الشعراء وإكرامهم، فأكثروا فيه القول وغالوا في الثناء، كما مضى الخليفة هارون الرشيد بعد ذلك إلى مدى أبعد في رعاية الشعر وتقريب الشعراء، طوال حكم قوي زاهر دام اثنتين وعشرين سنة، كما ويقول الرواة إنَّه لم يجتمع بباب أحد ما اجتمع ببابه من الشعراء.
ومن مداحه ابن مناذر وأبو الشيص ومروان بن أبي حفصة والعماني ومسلم ابن الوليد وربيعة الرقي، فضلاً عن أبي العتاهية وأبي النواس وسلم الخاسر، أصبح لإطراء الممدوح حيّز أكبر لدى شعراء هذا العصر.
الهجاء:
أمّا عن الهجاء، هو الغرض الذ يقابل عادة غرض المديح، فقد انعطف في مساره عمّا كان عليه في العصر الأموي، فخفتت فيه نزعة تحقير الخصم بسبب وضاعة أصله ونسبه، أو خمول مكانة أبيه وجده، أو ضالة شأن عشيرته وقبيلته.
وكثير ما كانت المهاجاة تستعر بين الشعراء أنفسهم، فيكثر في قصائدهم ذكر المثالب والمعايبن وقد يتجاوزون الحدود إلى التحقير والتسفيه. وقد عُرف بذلك بشار بن برد، أبو النواس، أبو عيينة المهلبي، ابن الرومي، دعبل الخزاعي وعبد الصمد بن المعذل، حتى أنَّ الأمر بلغ ببعضهم حد التعرض للخلفاء أنفسهم، شأن الشاعر الهجاء دعبل، الذي لم يتورّع عن هجاء الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق وقد قرن الخليفتين الأخيرين معاً.