حتى مستهل القرن التاسع عشر، كانت الحياة العربيّة في مجملها تخضع لركود شامل في ظل سيطرة الدولة العثمانيّة على أقطار الوطن العربي، سواء كانت تلك السيطرة قوية مباشرة كما في بلاد الشام والعراق ومصر، أو ضعيفة أو إسمية كما في أقطار المغرب العربي وبلدان شبه الجزيرة العربيّة.
وكان الأدب العربي، بصفته أحد أنماط تعبيرات تلك الحياة الراكدة عن ذاتها، خامدة الجذوة ويكاد يقتصر على ترديد ما تخلّف عمّا اصطلح على تسميته في تاريخ الأدب العربي باسم أدب عصر الانحطاط أو أدب الدول المتتابعة.
بواعث النهضة الأدبيّة في العصر الحديث:
يأتي هذا الباعث في المقدمة، حيث بدأت فاعليته بعد انتشار الثقافتين الفرنسية والإنجليزية في المدارس والمعاهد، التي أنشئت في الشام ومصر وتخرّج فيها المعلمون، الذين بعث بعضهم إلى فرنسا لإتمام تحصيلهم في مختلف العلوم.
وكانت أولى البعثات عام 1826 في عهد محمد علي باشا، إذ اختير أربعة وأربعون طالباّ من طلبة الأزهر، على رأسهم رجل النهضة الكبير رفاعة الطهطاوي، حيث عمل هؤؤلاء المبعوثون بعد عودتهم. وكل نطاق اختصاصه وفي مدياني الترجمة والتعليم، ثم توالت البعثات فيما بعد، فشملت عدداً من البلدان الأمريكية والأوروبيّة.
حيث كان لترجمة الكتب الفرنسية والانجليزية إلى العربيّة أثر كبير في النهضة الأدبيّة. وقد بدأت حركة الترجمة في بلاد الشام على يد بعض رجل البعثات الدينيّة، إذ ترجم هؤلاء بعض الكتب التي احتاجوا إليها في التدريس.
لكن حركة الترجمة لم تقوَ وتتنوع إلّا بعد عودة رجال البعثة المصرية الأولى، الذين بدأوا بترجمة الكتب العلمية. ويعود الفضل الأكبر في تنشيط هذه الحركة إلى الطهطاوي والذي أنشأ مدرسة “الألسن”.
وقد عنيت هذه المدرسة بتعليم اللغات الأجنبية المختلفة، حيث ترجم خريجوها مئات الكتب والقصص والمسرحيات، كما شارك السوريون واللبنانيون بقوة في تلك الحركة، لا سيّما بعد أنْ هاجر بعضهم إلى مصر، كأمثال نجيب الحداد، بشارة شديد وطانيوس عبده، ذلك حتى بلغ عدد الكتب المترجمة نحواً من ألفي رسالة وكتاب.
ثم اتسع نطاق الترجمة بازدياد مطرد وما زال يتسع حتى اليوم، إذ تشمل المترجمات وأحد روائع الأدب العالمي في سائر اللغات الأجنبية الحيّة.