عرف عن الأدب الأندلسي أنه كان متأثراً بشكل كبير بأدب المشرق العربي، وكانوا يقلدونه في جميع آدابهم، وقد توجه أدباء الأندلس إلى فك قيود التقليد والتوجه إلى التجديد في المواضيع والألفاظ المستخدمة، وكذلك الأساليب، وتفوقوا على المشرق العربي بالعديد من الأغراض والآداب المستحدثة وكذلك بالألفاظ المستخدمة والأساليب الشعرية.
الألفاظ الشعرية في الشعر الأندلسي
كان الشاعر الأندلسي في بداية نظمه لقصائده متأثرًا بشكل كبير بشعراء المشرق العربي، فكنا نرى ألفاظ مشرقية تختص بالبيئة المشرقية الصحراوية تظهر في قصائد شعراء الأندلس، فكانت تتسم بطابع البداوة الذي هو مغاير تمامًا لطبيعة بلاد الأندلس الخلابة، فهي عبارة عن جنة الله على الأرض.
عرف عن الشاعر الأندلسي أنه شاعر متميز منفتح مبدع يستطيع أن يستلهم الألفاظ من تأثره بالحياة المحيطة به، ومن الظروف والأحداث التي تجري حوله، فكانوا يلجؤوا إلى اختيار الألفاظ التي تناسب الحدث الذي يريد الشاعر أن ينظم فيه شعره.
كان لكل شاعر منهم أسلوبه الخاص الذي تميز به دون غيره من شعراء عصره، وكانوا يتمتعون بتمكن رهيب للغة وأساليبها وطريقة البناء ويأتون بها على هيئة نتاج شعري مميز يثير لدى المتلقي الرغبة الشديدة للسماع.
وكان الجانب النفسي للشاعر مهم جدًا وله دور في اختيار الألفاظ والتراكيب، وكما هو معروف أن اللغة هي مرآة تعكس خصائص وصفات المتكلم وتكشف طبعه ومزاجه، فالشاعر يختار ألفاظه ومعانيه ويعيد صياغتهن بأسلوب أدبي ويعبر من خلالها عن فكرته.
والشاعر الأندلسي حافظ على التراث العربي تقريبًا فنحن لا نرى في أشعارهم شخصية أندلسية خالصة، ولا حتى شعر أندلسي بمعنى الكلمة، ولكنهم استجابوا لمظاهر التجديد وظهرت عندهم نماذج شعرية مستحدثة مبتكرة وظهرت عندهم أيضًا الطرافة الشعرية.
خرج الشاعر الأندلسي عن الموضوعات التقليدية ويعود سبب ذلك إلى تأثره بالبيئة الجديدة من حوله، وكانت الألفاظ المستخدمة في شعرهم تدل على تأثرهم بالوعي الجديد، وتأثرت اللغة في الأندلس نتيجة الاحتكاك بين اللغة العربية الفصحى، واللغة العامية وكذلك اللغة الرومانية، وكان تأثيرهم واضح على جانب متصل بالتركيب والمفردات والنطق ومن هنا جاءت الألفاظ متأثرة بالبيئة الأندلسية.
وكما هو معروف عن جمال بيئة الأندلس التي تغري بالحب وتدعو إلى التوجه إلى النظم بشعر الغزل، وتطورت الألفاظ في الأندلس بسبب تطور المجتمع الأندلسي والقصيدة الغزلية أصبحت قائمة بذاتها.
تناول الشعراء في قصائدهم الصور الحسية المباشرة نتيجة للمظاهر التي كانوا يعيشونها، وبسبب كثرة مجالس اللهو والسمر والغناء، وإضافة إلى انتشار الجواري والقينات بشكل كبير في هذه المجالس، فأدى كل هذا إلى توسيع قصائد الغزل وانتشارها في البلاد، وفي ذلك يقول ابن حزم بعد أن اشتد الشوق في قلبه ويريد زيادة في الحب والوصل:
وددت بأن القلب شُق بمديةٍ
دخلت فيه ثم أطبق صدري
أصبت فيه لا تحلين غره
إلى مقتضى يوم القيامة والحشر
تعيشين فيه ما حييت، فإن أمت
سكنت شغاف القلبفي ظُلم القبر
ومن الألفاظ الأندلسية الحديثة التي تأثرت بالبيئة الجديدة الخلابة، استعمل الشعراء الألفاظ التي تدل على الفصول الأربعة مثل ألفاظ وصف الشتاء والمطر وكذلك الثلوج التي تغطي الجبال والهضاب، وفي ذلك يقول ابن شهيد:
ولما رأيت الليل عسكر قره
وهبت له ريحان الضمان
وعمم ضلع الهضب من قطر ثلج
يدان من الصنوبر تبتدران
رفعت لساري الليل نارين فارتاى
شعاعين تحت النحم يلتقيان
فاقبل مقرور الحشا لم تكن له
بدفع صروف النائبات يدان
كما لجأ الشعراء إلى التكرار في الألفاظ وكان هذا الشي ظاهرة منتشرة بشكل كبير عند شعراء الأندلس، وكان هذا التكرار يحقق إيقاعًا جماليًا وفنيًا ومن خلاله يستطيع الشاعر التعبير عن مشاعره وأحاسيسه، ويظهر ذلك واضحًا في شعر محمد بن عمار الأندلسي لاجئًا إلى التكرار فيقول:
بلد رمتني بالمنى أغصانه
وتفجرت لي بالندى أنهاره
بلد متى أذره هيج لوعتي
واذا قدحت الزند طار شراره
وتوجه شعراء الأندلس إلى نظم أشعارهم بألفاظ سهلة ناتجة من الواقع المحيط بهم، حتى أننا شاهدنا الألفاظ العامية وقد دخلت في شعرهم كما ظهر في شعر ابن سهل الأندلسي فيقول:
تلعب بقلبي واخرش تغضب على
أن جئت بعدك كما لعبت فلا تغضب
وتوجه شعراء الأندلس لنظم شعر الزهد بألفاظ رقيقة فيها سهولة وسلاسة في التركيب والأسلوب وجعلوه ينسجم مع لين أخلاقهم وطبيعة مشاعرهم، واختلف شعراء الزهد في طريقة اختيارهم للألفاظ منهم من جعلها مطواعة له ووظفها بطريقة فنية رائعة، ومنهم من أخذ معناها وصاغه على منواله بأسلوبه وأفكاره الخاصة.
والإبداع الشعري يختلف في طبيعة الحال من شاعر لأخر، تميزت الألفاظ بشكل عام بالسهولة والوضوح، وكانت تتسم بطابع الوعظ والإرشاد، وتخاطب جميع طبقات المجتمع الأندلسي، ومثال على ذلك ما قاله ابن الأزرق:
يا طالب الدنيا طلبت غرورا
وقبلت من تلك المحاسن زورا
دنياك إما فتنة أو محنة
وأراك في كلتيهما مقهورا
وأرى السنين تمر عنك سريعةً
حتى لأ حسبهن صرن شهورا
الأساليب الشعرية في الشعر الأندلسي
يعتبر الأسلوب الخبري طاغي على الشعر الأندلسي، ويعود سبب ذلك إلى المساحة الفنية الواسعة للتعبير التي من خلالها يستطيع الشاعر أن يعبر عما يجول في مكنون نفسه ووجدانه، فتظهر عندهم ظاهرة البعد والهجر والشكوى وكذلك الجفاء من محبوبهم، ومثال على ذلك ما قاله ابن زيدون في محبويته:
ارخصتني من بعد ما أغليتني
وحطتني ولطالما أغليتني
بادرتني بالعزل عن خطط الرضى
ولقد محضت النصح إذ وليتني
هلا وقد أعلقتني شرك الهوى
عللتني بالوصل أو سليتني
وظهر في الأساليب الشعرية الأندلسية تأثير واضح بالتطور والإبداع شيئًا فشيئًا، وكان المعنى عاكس للبيئة الجديدة ومتفاعل معها، ومع مرور الوقت أصبح لكل غرض شعري قصيدته الخاصة، وكانت في البداية ممزوجة بأغراض أخرى في القصيدة، ومثال على ذلك ما قاله ابن خفاجة واصفًا جمال الطبيعة الأندلسية ويقول في قصيدته في هذا الغرض:
إن للجنة في الأندلس
مجتلى حسن وريا نفس
فسنا صبحتها من شنبٍ
ودجى ظلمتها من لعس
فاذا ما هبت الريح صبًا
صحت وا شوقي إلى الأندلس
وفي النهاية نستنتج أن شعراء الأندلس استعملوا الألفاظ والأساليب المشرقية في بداية الأمر إلا أنهم اتجهوا نحو التجديد والتطور نتيجة لعدة عوامل وأحداث عاشها الشعراء آنذاك.