إن الغربة في الشعر الجاهلي لها أشكال متعددة، ويتمثل الشكل الأول بالغربة الوجودية التي تتضمن النوع الإنساني بشكل عام أمام الزمان والمكان، فهما من يحدد الوجود للإنسان.
الاغتراب الوجودي في الشعر الجاهلي
هناك القليل من الشعراء من الذين قاموا بمحاولة تحديد الامتداد في الزمان والمكان لهم، ومن أمثلتهم عمرو بن شأس حيث يقول:
“فَإنَّا لَيْلُ مُذْ بُرِىءَ الليالي بُرِينَا من سَرَاةِ بَنِي أبينا
فلا وأبيك ما ينفكُّ مِنَّا مِنَ السَّادات حظٌّ ما بقينا”
فنجد هنا أن الشاعر بالرغم من محاولته تحديد امتداده الزمني وأنه موجود منذ القِدم ووجوده مرتبط بقدم الزمن، إلا أنه لم يقدر أن يتخلى عن تفكيره بأن وجوده محدود، ولقد جاءت (ما) الزمانية بمعنى المدة وهي تدل على الوجود المحدود.
وفي مثال آخر يقول عمرو بن كلثوم:
“تذكرُ حُبَّها لا الدهرُ فَانٍ ولا الحاجاتُ من ليلى قُضِينَا”
ويقول الحارث بن حلزة:
“ويَئستُ مما كان يُطْمعُنِي فيها ولا يُسْليكَ كَاليأَسِ”
فشعورهم بأن الزمن لا متناهي فهذا دليل على أنهم لم يقضوا الوقت بعد مع محبوباتهم، ويتداخل ذلك مع إحساسهم بأن حياتهم ستنتهي، وأن النعيم الذي هم فيه سوف يزول، وأن إثبات ذواتهم يتوقف على ذلك وبالتالي فإن ذلك سوف يجعلهم يشعرون بأنهم غرباء في هذا الوجود.
إن الشعراء في هذه المواقف يقومون بمحاولة تجاوز أحداث الزمن فهم لا يفرحون بشيء ولا يحزنون لشيء، وقد قاموا بمواجهة المواقف في الحياة بشيء من اللامبالاة، وفي كل الأحوال هذا مستحيل لأنه الإنسان اجتماعي بطبعه ويتأثر بكل شيء من حوله.
يقول الشاعر عمرو بن قميئة:
“وأفنى وما أُفْنِي من الدهر ليلةً ولم يغنِ ما أفنيتُ سِلكَ نِظامِ
وأهلكني تأميلُ يومٍ وليلةٍ وتأميلُ عامٍ بعد ذاكَ وعامِ”
ويقول أيضاً الشاعر تميم بن أُبَيّ مقبل:
“يا حُرَّ أميتُ شيخاً قد وهى بَصَرِي والتاثَ ما دونَ يومِ الوعدِ من عُمُرِي
يا حُرَّ أمست تِليَّاتُ الصبا ذهبت فلست منها على عين ولا أثرِ”.