اقرأ في هذا المقال
- تعريف التصوف
- ظهور التصوف في العصر الاندلسي
- الشعر الصوفي في الأندلس
- مميزات الشعر الصوفي في الأندلس
- أشهر متصوفي الشعر الأندلسي
يعتبر التصوف نقلة نوعية في تاريخ الأندلس، ولقد ظهر الزهد في وقت مبكر في الأندلس، ونال شهرة واسعة، وكان له مكانة عالية في الثقافة الأندلسية، وسنتناول في هذا المقال مفهوم التصوف، وظهور التصوف في العصر الأندلسي، وتوضيح الشعر الصوفي وذكر مميزات الشعر الصوفي واشهر متصوفي الشعر الأندلسي.
تعريف التصوف
اختلف الجميع في تعريف التصوف، فكل شخص عرفه بطريقته الخاصة التي كانت تتشابه مع تعريف الآخرين تارة وتختلف تارة أخرى.
ومفهوم التصوف قال فيه البعض بأنه هو المشي في طريق الزهد، والابتعاد عن ملهيّات الحياة بكافة أشكالها، والزيادة في العبادة والتقرب إلى الله، وترك كل ملذات الحياة والشعور بالجوع، والسهر من أجل التعبد كالصلاة وقراءة القرآن الكريم.
ظهور التصوف في العصر الاندلسي
كان للثراء والغنى والترف وحياة الرفاهية أثر كبير في ظهور التصوف في الأندلس، وانتشرت هذه الظاهرة في الشعر الأندلسي، وتفوق في هذا المجال شعراء الأندلس وتغلبوا فيه على شعراء المشرق، ومن الملفت للانتباه أن بغض شعراء الأندلس تابوا وعادوا إلى الله بعد فترة طويلة من اللهو والعبث، واستخدموا ابياتهم الشعرية لطلب المغفرة والعفو من الله، وكسب مرضاته، ومن أشهر هؤلاء الشعراء في هذا ابن حمديس، والغزال، وابن عبد ربه ويقول في هذا:
إن الذين اشتروا دنيا بآخرة وشقوة بنعيم ساء ما تجروا
يامن تلهىّ وشيب الرأس يندبه ماذا الذي بعد وخط الشيب تنتظر
لو لم يكن لك غير الموت موعظة لكان فيه عن اللذات مزدجر
ومن الأسباب التي أدت إلى ظهور شعر التصوف، ما حَلّ بالأندلس وخصوصًا بعد هجوم جيوش النصارى عليهم، وإحساسهم بأن الإسلام ضاع في الأندلس، فاستعانوا بالشعر واستغاثوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
الشعر الصوفي في الأندلس
إن الشعر الصوفي من أروع وأشهر أنواع الشعر الذي نظم فيه شعراء الأندلس، رغم أنه يتطلب للعديد من العلم والاطلاع كي يتمكن الشخص من فهمه، ويتميز شعر التصوف بكثرة المعاني المعبرة، وكما أنه يضع الإنسان في حالة من الحب والسلام النفسي، وانتشر في الأندلس العديد من المذاهب، ولكن سيطر المذهب المالكي على الأندلس في ذلك العصر.
ورغم ذلك فلقد كان الحكام والملوك يتوجهون إلى الزهد والتقشف، وترك ملذات الحياة، واتصفوا بالزهد والتصوف، والعدل وغيرها من عادات التصوف، مثل: محمد الأول ومحمد الثاني ومحمد الخامس، وغيرهم من الحكام.
كما انتشر التصوف بين أفراد المجتمع الأندلسي عامة، فأصبحت الصوفية طبقة اجتماعية من طبقات المجتمع الأندلسي، وكان لها دور كبير في إدارة أمور الدولة، وخصص لها أماكن خاصة كانت تقام فيه أمور التصوف وكانت تسمى هذه الأماكن بالزوايا أو الأربطة، وكانت قائمة على الزهد والتقشف والعبادة والدراسة، ومن أشهر هذه الأربطة رابطة العقاب ومن أشهر سكانها علي بن عبد الله الششتري.
مميزات الشعر الصوفي في الأندلس
تفرد وتميز الشعر الصوفي بكثير من الخصائص الخاصة التي ميزته عن باقي أنواع الشعر ومن هذه المميزات:
1- تناول الشعر الكلمات التي تدل على أمور خاصة بالتصوف.
2- تناولهم المفردات الحسيّة وتوظيفها في شعر التصوف لتعبّر عن أمور روحية.
3- طمس المعاني الحقيقية للمفردات، وكانت من الأسس المهمة عند الصوفية عدم الكشف عن المعرفة الربانية التي أعطاهم إياها الله.
أشهر متصوفي الشعر الأندلسي
والشاعر أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي قد تناول في قصائده شعر التصوف بشكل واسع وتفنن في ذلك، ومن قصائده في الصوفية ما يلي:
يا سالم القلب مني عندما رمقا
لم يبق حبك صبرا ولا رمق
لا تسأل اليوم عما كابدت كبدي
ليت الفراق وليت الحب ما خلقا
ما باختياري ذقت الحب ثانية
وإنما جارت الأقدار فاتفقا
وكنت في كلفي الداعي إلى تلفي
مثل الفراش احب النار فاحترقا
يامن تجلى إلى سري فصيرني
دكا وهز فؤادي عندما صعقا
انظر إلي فإن النفس قد تلفت
وارفق علي فأن الروح قد زهقا
ومن قصائده أيضًا قصيدته التي قالها في تنازل ابن الأحمر عن قلاع ومدن الأندلس:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدنها دول
من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتمًا كل سابغة
إذا نبت مشرفيات وخرصان
والشاعر ابن الجياب حيث يقول في قصيدته:
الحمد لله على ما منحا من أنعم تترى أصيلا وضحى
كم نعمة أسبغها تفضلا منه وكم قرب ما قد نزحا
أرجو كما أنعم فيما قد مضى لعله فيما بقي أن يسمحا
إن لم أكن أهلا لما آمله فالله أهل أن يتم المنحا
ابن زمرك الذي تناول في قصائده الصوفية دور الطبيعة في هذا الشعر حيث يقول:
ولله مبناه الجميل فإنه يفوق على حكم السعود المبانيا
فكم غيه للأبصار من متنزه تجد به نفس الحليم الآمانيا
تبيت له خمس الثريا معيذة ويصبح معتل النواسم راقيا
الشعر الديني في العصر الأندلسي
كما انتشر الشعر الديني في العصر الأندلسي وكان يتكون من أربعة أنواع:
1- ما عرف بشعر التصوف والمتصوفة.
2- النوع الثاني وهو كل ما صدر عن الشاعر الصوفي من الحالات الروحية المختلفة مثل: التوبة والاستغفار والرجوع الى الله.
3- ما عرف بشعر التوسل الخالص لله، ومديح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
4- الشعر الذي نظم في المولد النبوي وكان يسمى هذا الشعر في العصر الأندلسي المولديات أو العيديات.
وعبّر شعراء الزهد والتصوف عن مشاعرهم وقوة ايمانهم بأسلوب صادق وقوي واستخدموا الموشحات والزجل في ذلك، ومثال على ذلك ما قاله محيي الدين بن عربي:
سرائر الأعيان لاحت على الأكوان للناظرين
والعاشق الغيران من ذاك في حران يبدي الأنين
يقول والوجد أضناه والبعد قد حيره
لما دنا البعد لم أدر من بعد قد غيره
وهيم العبد والواحد الفرد قد خيره
وكمثيله من أنواع الأدب لقد تطرق الشعر الصوفي إلى الغزل متأثرًا بشعراء المشارقة والشعراء القدماء فقد كان يبدأ القصيدة الصوفية بمفردات الغزل كما في شعر المديح النبوي، ومثال على ذلك ما قاله ابن عربي:
عج بالركائب نحو برقة ثهمد حيث القضيب الرطب والروض الندي
حيث البروق بها تريك وميضها حيث السحاب بها يروح ويغتدي
وارفع صويتك بالسحير مناديا بالبيض والغيد الحسان الخرد
من كل فاتكة بطرف أحور من كل ثانية بجيد أغيد
ترنو إذا لحظت بمقلة شادن يعزى لمقلتها سواد الإثمد
وفي النهاية نستنتج أن التصوف أدى إلى نقلة نوعية في تاريخ الأندلس، ولقد ظهر الزهد في وقت مبكر في الأندلس، ونال شهرة واسعة، وكان له مكانة عالية في الثقافة الأندلسية.