قصة الثأر

اقرأ في هذا المقال


القصة القصيرة “الثأر” كتبها جاي دي موباسان في القرن التاسع عشر. إنها قصة أم عجوز تنتقم لموت ابنها والآثار الأخلاقية التي تفرضها أفعالها. يثير بعض النقاط المهمة للنظر فيها فيما يتعلق بمفهوم الانتقام حيث يعيدنا موباسان لعنف فعل الانتقام ويسمح لنا بفهم تصرفات الأم بعدة طرق. هو تعمد خلق جو قاسٍ وعنيف في الفقرات الافتتاحية. يستخدم عبارة “المضائق القاتلة” لوصف المناظر الطبيعية، مما يعطي القارئ صورة لمشهد قاتم وكئيب. عبارات أخرى مثل “متهور” و “ساحل قاحل” و “منظر مقفر” كلها تعمل معًا لخلق الجو العام ليوم كئيب بشكل خاص.

الشخصيات:

  • أرملة باولو سافيريني.
  • أنطونيا.
  • الكلب سيميلانت.
  • نيكولاس رافولات.

قصة الثأر:

تروي القصة حياة أرملة باولو سافيريني التي عاشت بمفردها مع ابنها في منزل صغير فقير في ضواحي بونيفاسيو في المدينة التي كانت جزء من الجبل، في أماكن متدلية عند البحر، وتطل المدينة عبر المضيق المليء بالضفاف الرملية باتجاه الساحل الجنوبي لجزيرة سردينيا. حيث يقع بيتها بالقرب من ميناء يقع في جرف مثل ممر هائل وعلى طوله تأتي قوارب الصيد الإيطالية، وبمقابله تقع قرية سردينيا الصغيرة عبر طريق دائري بين المنحدرات الشديدة.
على الجبل الأبيض من المدينة، تتجمع المنازل معًا حيث تبدو مثل أعشاش الطيورالبرية، تتشبث بهذه القمة الجبلية ، وتطل على الميناء الذي يقع بقرب هذا الممر الرهيب، وهناك منزل الأرملة سافيريني، المتشبث بحافة الهاوية، يطل من خلال نوافذه الثلاثة، على هذه الصورة الجامحة والمقفرة. حيث عاشت هناك بمفردها، مع ابنها أنطونيا وكلبهم “سيميلانت” الذي كان كوحش ضخم، كان يأخذه أنطونيا معه عند الصيد، وفي إحدى الليالي بعد دخول أنطونيو سافيريني في شجار كبير تعرض للطعن الغادرعلى يد نيكولاس رافولات، الذي هرب في نفس المساء إلى سردينيا، ثم نُقلت الجثة لتسليمها لوالدة الشاب.

عندما تسلمت الأم العجوز جثة طفلها، التي أعادها إليها الجيران، لم تبكِي لكنها بقيت هناك لفترة طويلة بلا حراك تراقبه. ثم مدت يدها المتجعدة على جسده، ووعدته بالثأر وفي سكوت تام جلست بجانب جسد ابنها مع الكلب الذي كان يعوي باستمرار، وكان يقف عند آخر السرير، ويمد رأسه نحو سيده وذيله بين ساقيه، أما الأم لم تتحرك بل كانت تنحني على جثة ابنها بنظرة خاوية، وتبكي بصمت وتراقبه.
كان الشاب مستلقيًا على ظهره، مرتديًا سترته المصنوعة من القماش الخشن وكان صدره ممزقاً، وبدا وكأنه نائم لكن الدم كان قد لطّخ جسمه ووجهه ويديه وعلى قميصه الذي تمزق من أجل تقديم الإسعافات الأولية له، ثمّ تجمدت جلطات الدم في لحيته وشعره. وفجأة بدأت والدته العجوز تتحدث معه وبعد سماع صوتها، هدأ الكلب. فكانت تقول: لا تخف أبدًا، يا طفلي الصغير، سوف أنتقم. نم بهدوء وسأنتقم. هل تسمع؟ إنه وعد والدتك! وهي تحافظ دائمًا على كلمتها، والدتك تفعل ذلك، أنت تعلم أنها تفعل ذلك.

انحنت عليه ببطء، وضغطت بشفتيها الباردة على جثته ثم بدأ الكلب في العواء مرة أخرى بعواء طويل ومروع وبقي الاثنان، المرأة والكلب، هناك جانب الجثة حتى الصباح، ثم تم دفن أنطوان سافيريني في اليوم التالي وسرعان ما توقف ذكر اسمه في بونيفاسيو حيث لم يكن له إخوة ولا أبناء عم ولم يكن هناك رجل لمواصلة الثأر ولكن كانت والدته العجوز تفكر في الأمر وحدها.

على الجانب الآخر من المضيق، كانت تنظر المرأة العجوز هناك من الصباح حتى الليل، حيث يوجد بقعة بيضاء صغيرة على الساحل كانت قرية لونغوساردو الصغيرة في سردينيا، حيث يلجأ مجرمو كورسيكا لها عندما يتم ملاحقتهم من الشرطة على جرائمهم، وهم يشكلون تقريباً كل سكان هذه القرية التي تقع مقابل جزيرتهم الأصلية، في انتظار وقت العودة، كانت العجوز تعلم أن نيكولا رافولاتي قد لجأ إلى هذه القرية.
كانت العجوز وحدها، طوال اليوم جالسة على نافذتها حيث كانت تنظر هناك وتفكر في الانتقام وكيف يمكنها أن تفعل أي شيء بدون مساعدة فهي مريضة وقريبة جدًا من الموت؟ لكنها وعدت ابنها، وأقسمت بجانب الجثة ولم تستطع أن تنسى هذا الوعد، ولم تستطع الانتظار. ماذا يمكنها أن تفعل؟ لم تعد تنام في الليل ولم تكن مرتاحة البال وكانت تفكر بإصرار، كان الكلب ينام عند قدميها أحيانًا يرفع رأسه ويعوي بشدة وكان على هذا الحال منذ وفاة سيده كما لو كان يناديه وكانت الأم تشتاق بشدة لروح ابنها كما احتفظت بكل ذكرى له داخلها.
وفي إحدى الليالي، عندما بدأ سيميلانت في العواء، خطرت للأرملة فجأة فكرة متوحشة، انتقامية وشرسة ثمّ فكرت في الأمر حتى الصباح، وبعد أن نهضت في الفجر ذهبت إلى الكنيسة، صلت، وسجدت على الأرض متوسلة إلى الله ليساعدها، ويدعمها ويمنح جسدها الفقير المنهار القوة التي تحتاجها لتنتقم لابنها، ثمّ عادت إلى المنزل، في فناء منزلها كان لديها برميل قديم كان بمثابة صهريج، قلبته وأفرغته ووضعته سريعًا على الأرض وملئته بالعصي والحجارة. ثم قيدت سيميلانت بالسلاسل ووضعته داخل هذا البرميل ودخلت المنزل.

كانت تمشي بلا توقف الآن، وعيناها دائمًا على الساحل البعيد لجزيرة سردينيا حيث كان هناك القاتل و طوال النهار وطوال الليل كان الكلب يعوى من شدة الجوع والعطش، وفي الصباح، أحضرت له العجوز بعض الماء في وعاء، وليس أكثر من ذلك الماء فقط دون حساء أو خبز، ثمّ مر يوم آخر حيث كان سيميلانت منهكًا ونائمًا وفي اليوم التالي كانت عيناه تلمعان، وكان يسحب سلسلته بعنف وطوال هذا اليوم لم تعطه المرأة العجوز شيئًا ليأكله حيث كان الوحش الغاضب ينبح بصوت غاضب. ثم عند الفجر، طلبت الأم سافيريني من أحد جيرانها بعض القش وأخذت بعض الملابس القديمة التي كان زوجها يرتديها في السابق وحشتها حتى تبدو كجسد بشري.
قامت العجوز بوضع عصا في الأرض، أمام البرميل الذي وضعت فيه الكلب سيميلانت، وربطت بها هذه الدمية التي بدت وكأنها واقفة. ثم صنعت لها رأساً من بعض الملابس القديمة، في تلك الأثناء كان الكلب متفاجئًا وكان يراقب هذا الرجل المصنوع من القش، وكان هادئًا، رغم الجوع، ثمّ ذهبت السيدة العجوز إلى المتجر واشترت قطعة من النقانق السوداء وعندما وصلت إلى المنزل، أشعلت حريقًا في الفناء، بالقرب من بيت الكلب وطهت النقانق، كان سيميانت محموماً ويقفز وعيناه مثبتتان على الطعام، ذهبت الرائحة مباشرة إلى معدته ولكنّ جعلت الأم من السجق المدخن ربطة عنق للدمية، ربطتها بإحكام شديد حول رقبتها بخيط، وعندما انتهت قامت بفك قيود الكلب.

بقفزة واحدة، قفز الكلب على حلق الدمية، وبدأ تمزيقها و كانت قطع الطعام تسقط في فمه، ثم تقفز مرة أخرى وتغرق أنيابها في الخيط وتنتزع قطعًا قليلة من اللحم، فتتراجع مرة أخرى وتقفز إلى الأمام مرة أخرى. كانت تمزق وجهها وعنقها بأسنانها، حينها كانت المرأة العجوز بلا حراك وصامتة تراقب بفارغ الصبر، ثم قيدت الكلب الذي تحول لوحش بالسلاسل مرة أخرى، وجعلته يصوم يومين آخرين وبدأت هذا الأداء الغريب مرة أخرى.
عودت الكلب على هذه المعركة لمدة ثلاثة أشهر وعلى هذه الوجبة التي يغلبها القتال ثمّ لم تعد تقيده بالسلاسل، لكنها أشارت فقط إلى الدمية، لقد علمته أن يمزقها وأن يلتهمها دون أن يترك أي أثر في حلقهثم تعطيه قطعة من النقانق كمكافأة له، وفي أحد الأيام استيقظت الأرملة وذهبت إلى الكنيسة لأداء الصلاة وهي مرتدية ملابس الرجال وتبدو وكأنها متشرد قديم، بعد ذلك ذهبت للميناء وأجرت صفقة مع صياد من سردينيا حملها مع كلبها إلى الجانب الآخر من المضيق.
وضعت في كيس قطعة كبيرة من النقانق. وكانت قد حرمت الكلب من الأكل لمدة يومين واستمرت المرأة العجوز في تركه يشم رائحة الطعام التي كانت تثير شهيته طوال الطريق وحين وصلوا إلى لونجوسارد سارت المرأة العجوز وهي تعرج ثمّ ذهبت إلى المخبز وسألت عن نيكولا رافولاتي، فأخبرها أنه قد بدأ يعمل كنجار وهو يعمل بمفرده في الجزء الخلفي من متجره.
انطلقت المرأة العجوز لمحل عمله ثمّ فتحت العجوز الباب وقالت: أهلا نيكولاس! وبعد أن استدار أطلقت سراح كلبها وصرخت: اذهب، اذهب! ألتهمه، التهمه! فقفز الكلب المجنون من أجل أكله وعندما مد الرجل ذراعيه وحاول قبض الكلب ولكنّه تدحرج على الأرض وخلال بضع ثوان كان يتلوى ويضرب الأرض بقدميه. ثم توقف عن الحركة بينما حفر سيميلانت أنيابه في حلقه ومزقه إلى شرائط. كان هناك اثنان من الجيران جالسين أمام بابهما بعد حادثة موت الرجل تذكرا تمامًا أنهما رأيا متسولًا عجوزًا يخرج مع كلب أسود رقيق يأكل شيئًا كان سيده يعطيه إياه، وعند حلول الظلام، عادت المرأة العجوز إلى المنزل مرة أخرى و نامت جيدا في تلك الليلة.


شارك المقالة: