الغناء في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


أطلق العرب اسم الأندلس على شبه جزيرة إيبيريا التي تقع جنوبي غرب قارة أوروبا، وتفوّق الأندلسيون في مختلف العلوم، وتفوقوا كذلك في معظم الفنون، وأبدعوا أدبًا غزيرًا، ولقد خلفوا ورائهم حضارة قوية لا زالت آثارها شاهدة على قوتهم، فلا يخلو  علمًا أو فنًا إلا وكان للأندلسيين بصمةٌ وأثر واضح فيه.

الغناء في الأندلس

من الفنون التي اشتهر فيها أهل الأندلس الغناء، فلقد عاش الغناء في عصر ذهبي، وكانت مدينة قرطبة المركز الرئيسي للموسيقى بامتياز، وهي المدينة التي قام زرياب بالانتقال لها وصار يلقب بالقرطبي، ولقد احتل الغناء مكانة عالية في المجتمع الأندلسي، فما هو فن الغناء، وما هو أسلوب الغناء العربي الأندلسي، ومتى كان دخول الغناء الأندلسي إلى المغرب العربي، وعوامل تطور الغناء في الأندلس، وأشهر المطربين والملحنين وغير ذلك؟

تطور الغناء في الأندلس بشكل كبير، ولقد تمت ولادة هذا الفن في قصور الأغنياء والأمراء والملوك، وأدى ذلك إلى النمو والازدهار الاقتصادي، مما كان سببًا في انتشاره حيث أصبح من العادات التقاليد الشعبية المهمة، وانتشرت هذه الظاهرة إلى كافة الطبقات الشعبية، حتى أصبحت موجودة في كل بيت من بيوت الأندلس إلا وتوفر فيه آلة موسيقية، وشعراء وعازفون، وكانت تُقام في جميع بيوت الأندلس ليالي السهر والغناء.

كما اعتمدت الأندلس وخاصة في عهد عبد الرحمن الداخل على جذب المغنيين والقينات والجواري من المشرق، وإغراقهم بكثرة الهدايا والعطايا، ولم يمضِ وقت حتى توصّل الأندلسيون إلى الاستقلال واكتفوا في هذا المجال، حيث أن بلاد الأندلس باتت تزخر وتعطي أجمل الفنانين بنفسها، كما كانت تصدر الموسيقى الخاصة بها ليس فقط إلى المشرق العربي بل إلى جميع أنحاء العالم، وأدى ذلك التطور إلى ازدهار صناعة الآلات الموسيقية في الأندلس.

أسلوب الغناء العربي الأندلسي

1- أسلوب المألوف في الغناء

وهو نمط الغناء الأندلسي الذي كان منتشرًا وخصوصًا في مدينة إشبيلية، ولقد اشتهرت مدينة إشبيلية بأنها المركز الرئيسي للموسيقى الأندلسية، ولقد انتشر نمط المألوف في الجزائر وتونس وترسخ في هاتين الدولتين إلى يومنا هذا.

2- أسلوب الحوزي

وهذا الأسلوب يعتبر أسلوبًا جديدًا أنتجه الغناء العربي الأندلسي في الجزائر بعد الرحيل عن الأراضي الأندلسية، وتم ولادة أسلوب الحوزي وتطور وترعرع في مدينة تلمسان، وبعد ذلك انتشر إلى باقي أرجاء البلاد، ويحمل هذا الأسلوب شيئًا من الريف المحيط في تلمسان، ويقابله في الجزائر ما يعرف بالفن العْرُوبي، وأيضًا يَجدر بنا أن نعلم أن أشهر أقطاب الغناء الحوزي هم من أعظم وأشهر المغنيين الجزائريين، ونذكر منهم: محمد مسايب، ومحمد بن سهلة، وابنه بو مدين بن سهلة.

أصول الغناء الأندلسي

عندما نتناول بالحديث عن الأندلسيين يجب أن نعلم أنهم ليسوا عربًا فقط، فالمجتمع الأندلسي يتكون من العرب والأمازيغي والزنجي وغيرهم، ويجب أن نذكر أيضًا الاختلاط والانصهار الذي حدث بين الأندلسيين والمصاهرة التي لم تنحصر في الجزائر فقط بل شملت الواحات الجنوبية، وعلى غرار ذلك فلقد كانت أصول الغناء في الأندلس متنوعة ولم تقتصر على العرب فقط.

دخول الغناء الأندلسي إلى المغرب العربي

إن ظهور الغناء الأندلسي في المغرب العربي لم يكن على يد مجموعة معينة دون أخرى، بل كان للجميع مساهمة فعالة في دخوله إلى المغرب العربي، وكان ظهور الغناء الأندلسي في المغرب نتيجة حركة تفاعل حضاري على مر العصور وأجيال من البشر كان لهم دور في التواصل والاحتكاك فيما بينهم.

عوامل تطور الغناء في العصر الأندلسي

  • إن من أهم العوامل التي أدت إلى تطور الغناء في الأندلس هو حضور أبي الحسن علي بن نافع الذي كان يعرف ويلقب بزرياب من مدينة بغداد إلى الأندلس، حيث أنه قام بنقلة لحركة الغناء من المشرق وقام بافتتاح لحركة الغناء والموسيقى في بلاد الأندلس، كما قام على انشاء معهدًا في مدينة قرطبة؛ وذلك ليتم فيه تدريب الفتيات على الغناء وكذلك الفتيان؛ لأنه كان على اطلاع واسع على الغناء والموسيقى، وكما قام بإضافة وتر خامس على أوتار العود واخترع له مضرب مصنوع من قوادم النسر.
  • من العوامل المهمة التي كان لها دور واضح في تطور الغناء في العصر الاندلسي اهتمام ملوك وأمراء الأندلس بالغناء، وكان لهذا الاهتمام أثر واضح في تطور الغناء وظهر ذلك من خلال بذل المجهود في اشراء أشهر الجواري من المشرق وكانوا يفضلون غنائهن لجودتهن في الغناء ولرقة أدبهن.
  • من العوامل المهمة أيضًا التي لا يمكن للشخص أن يتجاهلها طبيعة البيئة الأندلسية الخلابة التي كانت المصدر الأساسي لإلهام الأندلسيين، وجعلهم يطربون ويتغنون بجمالها ويبدون الاهتمام بالغناء الذي يتلاءم مع الجو والطبيعة الأندلسية.
  • من العوامل المهمة التي أدت إلى تطور الغناء في الأندلس هي استقدام الجواري والقينات من المشرق، إذ كان لهن دور كبير في إدخال الشعر المشرقي وأنغامه إلى الغناء الأندلسي.

أشهر المطربين والملحنين في الأندلس

1- أبو الحسن علي بن نافع الذي كان يلقب بزرياب

وكان زرياب من أشهر وأجود الملحنين في الغناء، حيث أنه جاء إلى الأمير عبد الرحمن الأوسط وقام بالاحتفال بقدومه احتفالًا كبيراً، وقام زرياب بإنشاء معهدًا ليتدرب به الفتيات على الغناء وكذلك الفتيان.

2- أمية عبد العزيز بن الصلت الأندلسي المعروف بالفيلسوف ابن باجة

وكان من أعظم الموسيقيين والملحنين في العصر الأندلسي، ومن أشهر التلاميذ الذي تدربوا عنده هو أبو عامر بن الحمارة الذي كان مشهور بصناعة عود الغناء بمفرده، وكان يؤلف الشعر ويقوم بتلحينه على ذلك العود ويغني به.

3- عباس بن فرناس

وكان من الذين أجادوا إتقان الغناء بشكل واسع وكان من أكثر الناس تعلقاً به.

4- النساء اللواتي برعن في الغناء

وهن جواري عبد الرحمن الداخل ومنهن: العجفاء التي قام بشرائها من أحد موالي بني زهرة والتي كانت تغني بالمدينة، ومنهن أيضًا في الفضل والعلم والقلم ما يلي:

1- غزلان هنيدة.

2- قمر البغدادية.

3- صبح البَاشْكنْجِيَّة والتي كانت تعرف بصبيحة الأندلسية.

وفي النهاية نستنتج أن فن الغناء عاش في عصر ذهبي وهو العصر الأندلسي، فلقد أبدعوا فيه وتركوا فيه بصمةٌ واضحة، وكانت مدينة قرطبة تمثل البؤرة الأساسية للموسيقى والغناء، التي انتقل إليها زرياب وأصبح يلقب بالقرطبي وأحدث فيها تطورٌا واضحٌا في الغناء من خلال إقامة المعاهد لتدريب الفتيات على الغناء فيه وكذلك الفتيان، ولقد احتل الغناء مكانة عالية في المجتمع الأندلسي.

وكان للحكام والملوك والامراء دور كبير في ازدهاره في الأندلس، وكان للمغنين مكانة اجتماعية عالية في العصر الأندلسي لم تقتصر على الحكام والأمراء والأثرياء فقط، ولا حتى على طبقة عامة الناس، بل اهتم به كثيرٌا من الكتاب وأيضا المتصوفة فلقد شجعوا عليه ورأوا فيه حالة روحية، كما أن للطبيعة البيئية الجميلة في الأندلس دور كبير في إلهام المغنين والملحنين فأبدعوا في ذلك الفن.


شارك المقالة: