نظم شعراء الأندلس في العديد من أغراض الشعر مثل: الرثاء والغزل والمدح والهجاء، ولقد طوروا هذه الأغراض وانبثقت عنه مواضيع جزئية مثل رثاء المدن والممالك، كما ظهرت الموشحات والزجل، وكان لشعر المشرقي أثر واضح في الشعر الأندلسي، ومن الأغراض الشعرية التي ظهرت في العصر الأندلسي شعر الفخر، فقد كانوا يتباهون بصفاتهم الخلقية مثل الوفاء والصدق والكرم والشجاعة وغير ذلك من الصفات.
الفخر في الشعر الأندلسي
كان الفخر من أهم مواضيع الشعر منذ القدم، وظل الشعراء يتحاكون به على مدار العصور الإسلامية بتدوين مفاخرهم، وليسجلوا صفاتهم الخلقية في الوفاء والكرم وغيرها، وأيضاً الشجاعة التي ميزتهم في الحروب، ومن أوائل الشعر في موضوع الفخر في الأندلس كان الشعر في الولاة الأمويين وتخلصهم من الثورات.
ومن ذلك قول شاعرٍ على لسان الحكم الربضي الذي قضى على ثورة أهل الربض:
رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعا
وقدما لأمت الشّعب مذ كنت يافعا
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة
أبادرها مستنضي السّيف دارعا
وشافه على الأرض الفضاء جماجما
كأقحاف شريان الهبيد لوامعا
تنبّيك أنى لم أكن في قراعهم
بوان وأنى كنت بالسيف قارعا
أبرز شعراء الفخر في الأندلس
برز عدد من شعراء الفخر في الأندلس، ومنهم:
الشاعر سعيد بن جودي السعدي
سعيد بن سليمان بن جودي من مدينة هوزان، ومن المعروف عنه أنه من جنود مدينة دمشق الذين جاءوا إلى الأندلس في عصر الولاة، وكانت أغلب شعره في الفخر أثناء المشاكل السياسية التي حصلت بينهم وبين أهل الأندلس من المولدين، ومن ذلك قوله وهو يفخر بتحصيل الثأر لسيدهم من المولدين وزعيمهم يحيى بن صقالة، ويقال إنه قُتل من المولدين ما يقارب سبعة آلافٍ:
قَد طَلَبنا بِثَأرِنا فَقَتَلنا
مِنكُم كُلَّ مارِقٍ وَعَنيدِ
قَد قَتَلناكُمُ بِيَحيى وَما إِن
كانَ حُكمُ الإِلَهِ بِالمَردودِ
هِجتُمُ يا بَني العُبودِ لُيوثاً
لَم يَكونوا عَن ثارِهِم بِقُعودِ
فَاِصطَلوا حَرَّها وَحَرَّ سُيوفٍ
تَتَلَظّى عَلَيكُم كَالوقودِ
لَم تَزالوا تَبغونَها عِوَجاً حَتـ
تى وَرَدتُم لِلمَوتِ شَرَّ وُرودِ
جاءَكُم ماجِدٌ يَقودُ إِلَيكُم
فِتيَةً مِنهُم كَمِثلِ الأُسودِ
ماجِدٌ قَد جَرى إِلى المَجدِ حَتّى
نالَ بِالسَّبقِ غايَةَ التَّمجيدِ
وَنَمتهُ لِلجودِ آباءُ صِدقٍ
وَجُدودٌ ما مِثلهم جُدودِ
عبد الملك بن هذيل
وهو الشاعر المشهور بشعر الفخر عبد الملك بن هذيل هو أبو مروان عبد الملك بن هذيل، وعرف عن والده أنه من أمراء عصر الطوائف، ولد في بيئةٍ مرهفة كثرت فيها والجواري والمغنيات فنمت موهبته الشعرية، وبعد أن توفي والده تسلم مكانه، وكان من صفاته الشجاعة وكان وفياً متواضعاً، وكان يلبس نفس لباس جنوده ويركب ما يركبونه، ولقد شارك في أحداث وحروبٌ مع النصارى، واستمر على هذه الحالة حتى انتزع يوسف بن تاشفين الحكم منه، وكان يفتخر بحسبه ونسبه وأعماله، ومن ذلك قوله مفتخراً بنفسه:
من كثر الجند رأى سعده
يصعد حتى ينتهي حده
ومن أذل المال عزت به
أيامه وانصرفت جنده
فاهدم بناء البخل وارفض به
من هدم البخل بنى مجده
لا عاش إلا جائعا نائعا
من عاش في أمواله وحده
ويقول مفتخراً بأسرته آل رزين:
شأوت آل رزين غير محتفل
وهم-على ما علمتم-أفضل الأمم
قوم إذا سئلوا أغنوا وإن حربوا
أفنوا وإن سوبقوا جازوا مدى الكرم
جادوا فما يتعاطى جود أنملهم
مدّ البحار ولا هطّالة الدّيم
وما ارتقيت إلى العليا بلا سبب
هيهات هل أحد يسعى بلا قدم
فمن يرم جاهدا إدراك منزلتي
فليحكني في النّدى والسّيف والقلم
يوسف الثالث
هو أحد ملوك بني الأحمر النصريّون، وله ديوان كاملٌ مطبوع، وكان له حروبٌ مع النصارى الشماليين وانتصر عليهم في إحدى الحروب فأنشد مفتخراً عليهم باقتدائه بالرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه:
راق الزمان وجاءنا ميقاته
بالضّحوة الغرّاء من أيامه
نأتمّ في حرب الصّليب وحزبه
بشفيع كلّ موحّد وإمامه
مستأصلى بيع العداة مهتّمى
ما صان فيها الكفر من أصنامه
والله جلّ جلاله متكفّل
بالنّصر والمعهود من إنعامه
وقال مفتخراً بنفسه بأنه أفضل ملوك بني الأحمر وهو حامي بني نصر:
لقد علمت نصر بأني كفيلها
إذا هاجت الهيجاء واحمرّت الأرض
أدافع عنهم بالصوارم والقنا
وأحمى حماها أن ينال لها عرض
بنا ساعة الهيجاء يحمى وطيسها
وتهتك أستار البغاة إذا انقضوّا
إلى عترة الأنصار تعزى أرومتي
إلى معشر في الذّكر حبّهم فرض
وفي النهاية نستنتج أن أغراض الشعر تطورت في العصر الأندلسي وازدهرت، ومن هذه الأغراض شعر الفخر، فكانوا يتفاخرون بنسبهم وحسبهم، وكذلك يتفاخرون بصفاتهم الخلقية كالشجاعة والكرم والصدق والوفاء وغيره من الصفات، وكان للأحداث السياسية التي جرت في الأندلس أثر كبير في تطور شعر الفخر، وبرز العديد من شعراء الأندلس في هذا المجال.