الفنون الشعرية المستحدثة في الأدب الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


مرًّت بلاد الأندلس بالعديد من الأحداث والتطورات التي كان لها أثر على حياة أهل الأندلس، وكذلك تأثير واضح على أدب وعلوم أهل الأندلس، وظهر تأثيرها على الشعراء والعلماء الذين تأثروا بأدب المشرق العربي، وأصبحوا مقيدين في هذا الأدب، يتوجهون إلى تقليده في الشكل والمضمون، ولكن ذلك لم يدم طويلاً، ولقد استطاع أدباء وشعراء الأندلس من فك قيود التقليد، والتوجه نحو التجديد في جميع الآداب والعلوم الأندلسية وشمل ذلك الشعر، وتوجه شعراء الأندلس إلى التجديد وظهرت على إثر ذلك فنون شعرية مستحدثة مستقلة.

الفنون الشعرية المستحدثة في الأندلس

تمكن شعراء الأندلس من التحرر والابتعاد عن التقليد الذي انغمسوا فيه طويلاً، واستطاعوا أن يستحدثوا إرثًا شعريًا مستحدثًا مستقلاً عن أدب وشعر المشرق العربي، ولقد سطع نجم العديد من الشعراء في الشعر المستحدث وظهرت أغراض شعرية مستحدثة لم تعرف من قبل، ومن هذه الفنون ما يلي:

الموشحات الأندلسية

عرف الموشح بأنه فن من فنون الشعر الحديثة، حيث تم نشأته وولادته في الأندلس، فهو شكل جديد مطوّر من أشكال القصائد، وسمي بالموشح لما يحتويه من زينة وترصيع وصنعة، وشبهه الشعراء بوشاح المرأة لما يحتويه من زينةٍ وتطريز.

تعددت أغراض الموشحات فكان يتناول المدح والرثاء وكذلك الهجاء والوصف، وغيره الكثير، ازدهر الموشح بشكل كبير في الأندلس ويرجع ذلك إلى تمتع الأندلس بطبيعة خلابة كانت هي الملهم الأول لشعراء الأندلس، ومنها يستمد الشاعر الأندلسي صوره وتشبيهاته، وكذلك ساعدت حياة اللهو والترف، والنهضة الغنائية على ازدهار وتطور هذا الفن المستحدث.

ومن أشهر الوشاحين الأندلسيين: ابن زهر الأندلسي، وكذلك لسان الدين بن الخطيب، ويقول في إحدى موشحاته واصفًا فيها مظاهر الطبيعة:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما

في الكرى أو خلسة المختلس

الأزجال الأندلسية

عرف عن الزجل أنه الفن السابع في الأدب العربي، هو فن من الفنون المستحدثة التي أقدم شعراء الأندلس على استحداثها ونظم الشعر فيها، وهو يشبه الموشحات ولكن ينظم بلغة عامية، غير متقيد بقواعد اللغة.

ويوعز سبب ظهور هذا الفن المستحدث إلى الاختلاط الذي تم بين الثقافة العربية والثقافة الغربية الإسبانية، وهو عبارة عن مزيج من اللغة العربية واللغة الرومانية، وتناول الزجل العديد من أغراض الشعر مثل الغزل والمدح والرثاء والوصف والفخر وغير ذلك.

ومثال على الزجل ما قاله ابن قزمان الأندلسي وهو المعروف بأمير الزجالين حيث يقول:

إلى متى الحب يتبعني أفنيت عمري على الملاح

مُرّ الهوى مُرّ مُرّ عنى لعل نرقد ونستراح

وكذلك قوله:

إذا عشقت المليح أصبر على دلّو

ترضى يا مولى الملاح بهذا العذاب كُلّو

شعر الغزل

طال التجديد والتحديث شعر الغزل، وكيف لا يتم ذلك وكل شيء في الأندلس يدعو إلى الحب والغزل، فكل شيء في الأندلس جميل يشد القلوب إلى الأحاسيس والعواطف، وتأثر بذلك الشعراء فنظموا أجمل أشعار الغزل.

تميز شعر الغزل الأندلسي بأنه مرهف الحس، رقيقٌ شفاف، ظهر امتزاجه بالطبيعة الأندلسية الخلابة، وتغيرت وجهة الغزل في الشعر الأندلسي فأصبح يتجه إلى اللهو والمتعة بعد أن كان يفتتح بالوقف على الأطلال وذكر لوعة الفراق وغير ذلك، وظهر الغزل العفيف، ومثال عليه قول ابن فراج الجياني:

وطائعة الوصال عدوت عنها

وما الشيطان فيها مطاع

بدت في الليل سافرة فابتت

دياجي الليل سافرة القناع

وما من لحظةٍ إلا وفيها

إلى فتن القلوب لها دواع

شعر وصف الطبيعة

خصَّ الله سبحانه وتعالى البيئة الأندلسية بجمال خلاب، وكان لهذا الجمال أثر واضح في استحداث هذا النوع من الشعر حتى يعبروا عن مكنون أنفسهم اتجاه هذا الجمال الخلاب، وتميز في هذا النوع من الشعر العديد من شعراء الأندلس مثل: ابن خفاجة، وابن زيدون، وابن رشيق، وابن الشهيد وغيرهم الكثير من الشعراء.

وهذا ابن سفر المريني الذي تأثر بجمال الطبيعية الأندلسية ونظم فيها أجمل الأشعار حيث يقول:

في أرض أندلس تلتذ نعماء

ولا يفارق فيها القلب سراء

وكيف لا يُبهج الأبصار رؤيتها

والخزُّ روضتها والدرُّ حصباء

وفي النهاية نستنتج أن الأندلس مرت بالعديد من الأحداث التي كان لها أثر واضح في حياة شعراء الأندلس، والذين تأثروا بأدب المشرق العربي وأصبحوا مقلدين له، ولكنهم استطاعوا أن يفكوا هذه القيود ويستحدثوا فنونًا في الشعر مستقلة عن الأدب المشرقي.


شارك المقالة: