المدح في الشعر الجاهلي

اقرأ في هذا المقال


تميزت الجاهلية في تطور الأدب وخصوصًا الكلام المنظوم الذي احتوى العديد من المواضيع التي واكبت مجريات ذاك العصر، وكانت بمثابة سجل تاريخي يوضح أخبار أهل تلك الفترة وكان نابعًا من عواطف صادقة تخلو من المكاسب المادية، ومن أهم هذه المواضيع المدح الذي برز في هذه الفترة.

المدح في الشعر الجاهلي

يعتبر المدح من أبرز أنواع الكلام المنظوم في الفترة القديمة، حيث تهافت أهل الشعر في ذلك الزمن من النظم فيه لإبراز أمجاد الأشخاص والفرق وسماتهم، وبخصوص المواضيع التي يدور حولها المدح في الأبيات الجاهلية حيث كانت متعلقة بطبيعة أهل المشرق الصحراوية وما يكثر فيها من سمات الكرم والبطولة.

المدح جاء للكلام عن الثوابت الإنسانية الرفيعة، وهذا ما يضفي على هذا الشكل من الكلام المنظوم سمة أخلاقية، والمدح في هذا الكلام هو تصوير عن مدى الانبهار بسمة فرد أو قوم وعرف عن المدح في تلك الفترة بأنه يركز على تفنيد سمات الأقوام والفرق أكثر من الأشخاص.

والمدح في ذلك الزمن كان واضحًا صادقًا لا تصنع فيه؛ حيث لم يقصد بها جني المال والحصول على عطايا ولاة الأمر، والمدح في ذاك العهد لا يقف على المدح فقط بل كان الشاعر يبدأها بالوقوف بالدمن ليصل بعدها إلى هدفه من المدح وغالبًا ما يلحقه الفخر وغيره من المواضيع.

الخصائص الفكرية لشعر المدح الجاهلي

الخصائص الفكرية

1- تعلق الكلام المنظوم في المدح في تلك الفترة بالحياة بشكل عام: حيث تنوعت أفكار المدح بتنوع الفئات في المجتمع والصفات والحضارات، كما ارتبط أهل الشعر بالتطور والبداوة، فكان المدح لكبار القوم بوصفهم بالجود وحسن المعاملة، وللقادة بالإقدام ومساعدة المحتاج، وللحاكم بتحرير الأسرى والرفاهية، ومن أشهر أهل الشعر بذلك الأعشى الذي كان بارعًا في انتقاء المواضيع المناسبة للممدوح.

2- وصف الكلام المنظوم في المدح قديمًا المجريات التاريخية: وكان المدح في تلك الفترة يعبر عن حياة الناس بشكل عام وقيمهم العليا وبداوته وثقافته، وتفنيد علاقاتها مع الدول المجاورة من فرس وروم غيرهم، وأبيات الأعشى والنابغة من الأشعار التي صورت تاريخ المشرق قبل الإسلام.

الخصائص الفنية

انفرد شعر المدح الجاهلي بخصائص فنية نذكر منها الخصائص الآتية:

1- المبالغة: حيث كان أهل الشعر يتجهون للإسهاب في ذكر مميزات الممدوح؛ لنيل رضاه، واتجه أهل الشعر إلى المبالغة في وصف الممدوح، وهذا يرجع إلى مصداقية الشاعر في نقل الحقيقة والهيئة التي يبرع الشاعر في إظهارها، ومثال على هذا النابغة الذي وصف حسام الغساسنة التي تقسم المحارب إلى نصفين، في قوله:

تقد السلوقي المضاعف نسجه

وتوقد بالصفاح نار الحباحب

بضربٍ يزيل الهام عن سكناته

وطعنٍ كإيزاغي المخاض الضوارب

لهم شيمةُ لم يُعطها الله غيرهم

من الجود والأحلام غير عوازب

محلتهم ذات الإله ودينهم

قويم فما يرجون غير العواقب

2- دمج المدح بالرواية التاريخية: لقد عجت المدائح في تلك الفترة بالحكايات التي صورت بنمط إبداعي مميز، وقد لا تتعدى الحكاية أكثر من مقطوعات قصيرة ولونت الشعر بلون قتالي، ومثال على ذلك طرح الأعشى في أبياته في مدح قيس بن معد يسرد حكايتين عن قصر الحضر والأخرى عن سيل العرم.

أبرز شعراء المدح في العصر الجاهلي

1- النابغة الذبياني: يعد من الشعراء القدامى الذين برزوا في شعر المدح وخاصة مدح الحكام.

2- حسان بن ثابت: وهو من المخضرمين حيث تميز في المدح في تلك الفترة، وبرع فيها في الإسلام.

3- الأعشى: يعتبر من أهم الشعراء في ذلك العصر ووصفه بن مروان: ” إنّ الأعشى أشعر الناس إذا طرب، كان العرب يسمونه صنّاجة العرب وأطلق عليه الأعشى نسبة إلى جودت شعره. “

4- عنترة بن شداد: تميز بأخلاقه الرفيعة في ذلك العصر وبرع في الشعر على اختلاف أنواعه واتصف بحسه المرهف، وتميز بشعر المدح.

5- امرؤ القيس: يعد من أبرز أهل الشعر وأفصحهم شعرًا وتنوعًا في مواضيع الشعر، حيث برع بالغزل والحكمة والمدح مستخدمًا الألفاظ القوية المعبرة.

6- طرفة بن العبد: تميز بحسبه وأصله بين قومه وبرز بمفرداته المرهفة، وأيضًا استخدام الألفاظ الغامضة وتميز في المدح.

7- زهير بن أبي سلمى: يعد من المخضرمين حيث برز بالحكمة وصدق المشاعر في أبياته.

8- عمرو بن كلثوم: عرف بقلة أبياته إلا أنه تميز بأسلوب الارتجال والمبالغة في المدح.

نماذج من شعر المدح في العصر الجاهلي

” قصيدة الدالية” للحطيئة في آل شماس ومنها:

أتت آل شماس بن لأي وإنما

أتاهم الأحلام والحسبُ العِد

فإن الشقي من تُعادي صُدورهم

وذو الجدِ من لانو إليه وَمن ودوا

يسوسون أحلاما بعيدًا أناتُها

وإن غصبوا جاء الحفيظة والحد

أولئك قوم إن بنو أحسنوا البُنى

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

أبيات عنترة بن شداد في كسرى:

يا أيها الملك الذي راحاتُهُ

قامت مقام الغيث في أزمانه

يا قبلة القصاد يا تاج العُلا

يابدر هذا العصر في كيوانه

يا مخجلًا نور السماء بجوده

يا منقذ المحزون من أحزانه

يا ساكنين دار عبس إنني

لاقيت من كسرى ومن إحسانه

ما ليس بوصف أو يُقدر أو يفي

أوصافه أحدٌ بوصف لسانه

ملك حوى رتب المعالي كلها

بسمو محد حل في إيوانه

أبيات حسان بن ثابت في أمراء الغساني:

يغشون، حتى ما تهر كلابُهُم

لا يسألون عن اليواد المقبل

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يُصفقُ بالرحيق السلسل

بيض الوجوه كريمة أحسابه

شُم الأنوف من الطراز الأولى

فعلوت من أرض البريص إليهم

حتى تكأت بمنزلٍ لم يوغل

الأعشى يمدح هوذة بن علي سيد بني حنيفة:

إلى هوذه الوهاب أهديت مدحتي

أرجي نوالًا فاضل من عطائك

سمعت بسمع الباع والجود والندى

فأدليت دلوي، فاستقت برشائكا

متى يحمل الأعباء لوكان غيره

من الناس لم ينهض بها متماسكا

أبيات النابغة الذبياني في الملك الغساني:

كليني لهم، يا أميمة، ناصب

وليلٍ أُقاسيه، بطيء الكواكب

علي لعمرو نعمة، بعد نعمة

لوالده ليست بذات عقارب

ونفتُله النصر، إذ قيل قد غزت

كتائب من غسان، غير أشائب

إذا ما عزوا بالجيش، حلق فوقهم

عصائب طيرٍ، تهتدي بعصائب

ولاعبت فيهم عبر أن سيوفهم

بهن فلولٌمن قراع الكتائب

وفي النهاية نستنتج أن الشعر في العهد الجاهلي قد برز بشكل واضح وينم عن صدق العاطفة، وبرع شعراء هذا الوقت، في وصف ممدوحيهم بأجمل الوصوف مبتعدين عن التكسب المادي إنما كان الهدف منه كسب رضا الممدوح، ولقد برز في هذه الفترة العديد من الشعراء الذين أجادوا المدح مثل عنترة بن شداد  والأعشى.


شارك المقالة: