النثر في العصر الأموي

حاز النثر على مر العصور باهتمام رواد الأدب وبرز في عهد بني أمية وكان يعج بأشكال النثر المتنوعة من وصايا وخطب وغير ذلك، وحثَّ ولاة الأمر في ذلك الوقت على الإقبال على النثر والكتابة فيه وبرز منهم العديد من رواده، وكان منهم ولاة الأمر والحكام ومن رواد النثر في ذاك الوقت الجاحظ وفي هذا المقال سنتناول النثر في هذا العصر بالشرح والتفصيل.

النثر في العصر الأموي

 الكتابة من الضروريات في إدارة أمور السلطة والرعية وكانت مهمة في الحياة الاجتماعية أيضاً والعلمية، ولهذا نرى أن الكتابة قد تطورت بشكل كبير لتواكب الاحتياجات في ذلك الوقت، ويقول شوقي ضيف عن فوائد الكتابة في ذلك الوقت:

” أن الكتابة نمت في العصر الأموي نمواً واسعاً، فقد عرف العرب فكرة الكاتب وأنه صحف يجمع بعضها إلى بعض في موضوع من الموضوعات، وقد ألفوا فعلاً كتباً كثيرة. “

كما كان للكتَّاب شأن كبير في تلك الفترة فمن يجيد الكتابة عندهم له قدر ومكانة رفيعة بين أفراد المجتمع، ومن أقوال سعيد بن العاص المشهورة في ذلك: ” من لم يكتب فيمينه يسرى. ” 

كما بدأت معالم الكتابة تنمو في هذا العهد على يد عبد الحميد الكاتب والذي اتفق أهل النقد على أنه هو من أرسى قواعد الكتابة، وبعد ذلك سلك نهجه الكتّاب من بعده، وهو من أبرز كتاب عهده وأبلغهم وقال عنه ابن النديم:” عنه أخذ المترسلين ولِطريقته لزموا، وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل.”

تعريف النثر

النثر ضد المفردات الموزونة لأن ذلك يتطلب وجود القافية ليستقيم والنثر هو الذي ليس بالمنظوم  والخالي من القافية، وهو نمط تواصل وأسلوب تخاطب بين الأفراد وفيها يعلو شأن الكاتب وخاصة إذا احتوى إنتاجه على البلاغة والتميز في تهافت فن رواد النقد على دراسته.

أبرز الأشكال النثرية في العصر الأموي

تنوعت المواضيع النثرية في هذه الفترة وشهد النثر ازدهاراً واضحاً وخصوصاً الأنواع الحديثة التي كان  لها حضور وسيطرة بشكل كبير مثل الخطابة ونذكر من أبرز هذه الأشكال ما يلي:

1- الخطابة: تعد من أبرز مواضيع النثر في ذلك الوقت وسطع نجم العديد من الخطباء في ذاك العهد، وتنوعت مواضيع الخطابة فبرز فيها الدينية التي تهتم بمواضيع العقيدة، وهذه الخطب يتنافس الخطباء على إبراز قوة مفرداتهم وفصاحتهم واهتموا بالمحسنات وأكثروا منها لجذب انتباه المتلقي.

2- الدواوين: برزت الدواوين في فترة تولي معاوية للحكم وانتشر أدب الرسائل الذي يدوّن به ما ينطق به ولاة الأمر وكانت تدمغ بختم حتى لا يقدر أحد من تغيير محتواها.

3- الكتابة: تطورت الكتابة في هذه الفترة وكان لها مكانة عالية، وتم فيها تفنيد أخبار السابقين، وسيرة ولاة الأمر والحكام، ومن أبرز الكتَّاب في ذلك العهد أبو عمر بن العلاء.

عوامل ازدهار النثر في العصر الأموي

1- البلاغة البيانية: كانت بلاغة أهل المشرق سليمة واضحة نتيجة الاختلاط بالعجم، ولذلك أورده الجاحظ بمؤلفه ” البيان والتبين” 

2- الحياة السياسية: اعتاد رواد النثر على التعبير عن حياتهم الحزبية والسياسية، وكذلك كانت تتناول أخبار القادة وخطاباتهم في الجيوش الحربية، ومن أشهرهم زياد بن أبيه.

3- الجماعات والوفود: كان يرد إلى الدولة في ذلك الوقت العديد من الجماعات التي تناقش أمور قبائلهم وقضاياهم، وشمل أيضاً خطب التهنئة وغيرها، ومن أشهر خطباء الجماعات الأحنف بن القيس.

4- الوعظ والإرشاد الديني: وذلك بسبب انتشار حياة اللهو والترف ودخول الأعاجم إلى البلاد مما جعل السكان الأصليين يتأثرون بهم، فنشأت دروس الوعظ التي تحث على التمسك بـِالعقائد وبِالثوابت الإسلامية ومن أبرز الكتّاب في هذا الموضوع الحسن البصري.

5- الحياة الفكرية: ارتفع الفكر المشرقي وذلك نتيجة التأثر بالثقافات الأخرى بسبب اختلاطهم بالعجم والأخذ من ثقافتهم والتعلم منها.

خصائص النثر في العصر الأموي

1- قوة المفردات وسهولة استعمالها بالنمط الذي يلائم المعنى المناسب.

2- الاقتباس من كتاب الله والاستناد إليه، فهو المورد الذي يعتمد عليه رواد الأدب والخطباء في مواضيعهم، ومنه يستمدون البلاغة والبيان.

3- صدق المشاعر، ونقاء النفس ورقي الغرض في تلك المواضيع النثرية.

4- قوة الأنماط المستعملة ذات البناء المتناسق والذي لا تصنَّع فيه، وكما يتميز بالاختصار في الكتابة والتواضع في عرض الحقائق دون إسراف.

5- تعدد أنماط النثر الفني في ذاك الوقت.

أشهر أدباء النثر في العصر الأموي

1- عمر بن أبي ربيعة: يعد من أشهر رواد الكلام المنظوم في تلك الفترة، وكان متميز بغزله، وكما عرف عنه بعد عن الأمور المتعلقة بالحكم وكان منغمس بحياة اللهو والطرب وكان معروف عنه تعلقه بمدح النساء.

2- الفرزدق: ذو حسب وكان له مكانة مرموقة وكان من المعمرين في الحياة ولقد اكتسب الخبرات من هذه الحياة، وعرف بمدحه لولاة الأمر، خلَّف موروث ضخم من أبياته ودواوينه.

3- أبو صخر الهذلي: يعد من أهم رواد الكلام في هذا العهد كان معروف بمقطوعات المدح وكذلك الغزل.

4- الوليد بن عقبة: كان على علاقة بأمور السلطة في ذلك الوقت وتم تعيينه والياً على الكوفة تميز بأدبه وقصائده، وكان معروف بكرمه وأدبه، كما كان شديد التعلق بالشرب.

نماذج نثرية في العصر الأموي

وهنا مقتطف من خطبة بن الزبير عندما علم بمقتل شقيقه مصعب:

 “الحمد لله الذي يُعِز من يشاء ويُذِلُّ من يشاء، إنّه لن يذلَّ من كان الحق معه وإِن كان فردًا، ولن يُعز مَنْ كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام، أتانا خبر من قبل العـراق أجزعنا وأفرحنا: قتل مصعب -رحمه الله-، فأما الذي أحزننا من ذلك فإِنَّ لفراق الحميم لَذعة يجدها حميمه عند المصيبة به، ثم يرعوي بعدها ذوو الرأي إِلى جميل الصبر وكريم العزاء، وأما الذي أفرحنا من ذلك فعلمنا أنّ قتله شهادة، وأنّ ذلك لنا وله الخِيِرة”.

هنا نموذج من الرسائل في ذلك الوقت:

” كتب سعيد إلى معاوية في ذلك يلومه ويعاتب في مثل قوله” العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا أنه يَضغن بعضنا على بعض وإدخاله القطيعة بيننا والشحناء وتوارث الأولاد ذلك فالله وإلا لم نكن بني أب واحد إلا جمعنا الله عليه من نصر الخليفة المظلوم وباجتماع كلمتنا لكان علينا أن نرعى ذلك. “

وفي النهاية نستنتج إن النثر في هذا العهد قد حاز على اهتمام رواد الأدب حيث عجَّ وقتها بأشكال النثر المتنوعة من خطب ووصايا وغيرها وبرز في هذه الفترة العديد من الكتَّاب ومنهم ولاة الأمر ومن الرعية نذكر الجاحظ وغيره الكثير.