هناك أسباب وبواعث تحف حياة الأَديب الجاهلي تدفعه للاغتراب بجميع أشكاله فمنه الاقتصادي كذلك السياسي وكل هذا يجعله يتوجه للتعبير عن مشاعره وشعوره بالاغتراب.
بواعث الاغتراب في الشعر الجاهلي
1- الإحساس بالوحدة تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية وهذه الضغوط تشعره أنه مفرد في هذا الكون لا يرافقه أحد، ونلحظ أن الشاعر كان يتوجه إلى إيجاد رفيق يؤنس وحدته وكان يبتدأ مقطوعاته بذكره ومثال على هذا ما نظمه الحطيئة عندما أنشد:
وقد قالت أمامةُ هل تعزى
فقلت أميم قد غُلِبَ العزاء
إذا ما العين فاض الدمع منها
أقول بها قذى وهو البُكاء
2- ظاهرة الفناء والموت التي تداهم الأديب في فترة الشيخوخة حيث يشعر الشخص فيها بقُرب الأجل وهنا يبدأ بالإحساس بالاغتراب، ونرى أن الموت في حياة النابغة كان من أهم البواعث للاغتراب الذي سيطر عليه بعد مصرع أبنائه حيث أنشد:
فغبرت بعدهم بعيش ناصب
وأخالُ أني لاحقٌ مُستتبعُ
ولقد حرصت بأن أُدافع عنهم
فإذا المنيةُ أقبلت لا تُدفَعُ
3- الهرم وتقدم السن حيث مرَّ الأديب في حياته بمراحل عدة تأقلم مع ما تضمنته من ثوابت وأشخاص وعندما يطعن به السن يرى عادات لم يألفها من قبل، ويتعامل مع أشخاص جدد يستهجن أفعالهم فعندئذٍ تسيطر عليه مشاعر الاغتراب ويتوجه إلى الحنين لأيام الشباب ومثال على هذا ما نظمه تميم بن مقبل:
طرقت وقد شحط الفؤاد عن الصبا
وأتى المشيب فحال دون شباب
4- سوء الأوضاع الاقتصادية والفقر الذي يُعد من أهم أسباب الشعور بالاغتراب حيث يشعر الفقير بأنه غريب مستوحشٌ في مجتمعه لا يستطيع مواكبة من حوله والتمكن من الاكتفاء ومثال عليه ما نظمه النمر بن تولب.
خاطِر بِنَفسِكَ كي تُصيبَ غَنيمَةً
إِنَّ الجُلوسَ مَعَ العِيالِ قَبيحُ
فَالمالُ فيهِ تَجِلَّةٌ وَمَهابَةٌ
وَالفَقر فيهِ مَذَلَّةٌ وَقُبوحُ