ثوابت وقيم الأدب الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


التحدث عن ثوابت الحضارة الأندلسية من الناحية الأدبية الأندلسية حديث ذو قيمة عالية لما يزخر فيه من العطاء الإنساني وقيم راسخة، والانسجام بات واضحًا عند الأدب الأندلسي ومنبعه المشرقي، بأسلوب متناغم ومنسجم قلَّ مثيله في الآداب الأخرى، وسنتناول في هذا المقال الروابط والقيم الوثقى التي ربطت بين الأدب المشرقي وأدب أهل الأندلس كجزء لا يتجزأ عنه.

ثوابت وقيم الأدب الأندلسي

1ـ رابطة العقيدة: المطلع على بداية استيطان العرب للأندلس بعد فتحها والاستقرار على أرضها يعتقد أنها بَعُدت عن منابت الإسلام والعروبة نتيجة وقوعها تحت مقتضيات الإقليم ودوافع الحياة الجديدة، وأن ذلك قد جعلهم ينسون أصالة الوراثة، ولكن على النقيض من ذلك حيث أن هذه الأصالة لم تخضع لمظاهر البيئة الجديدة ويتجلى هذا واضحًا من خلال اللغة والدين.

قد رفعت راية الإسلام في جميع أرجاء الأندلس حتى أن بلاد الأندلس تمسكت بالإسلام وتعصبت له وتمسكت بتعاليمه، ونرى ذلك في كتاب نفح الطيب الذي جاء فيه: “وأما قواعد أهل الأندلس في ديانتهم فإنها تختلف بحسب الأوقات والنظر إلى السلاطين ولكن الأغلب إقامة الحدود وإنكار التهاون بتعطيلها وقيام العامة في ذلك وإنكاره إن تهاون فيه أصحاب السلطان. “

وإن العوامل التي جعلت المذهب المالكي ينتقل إلى الأندلس هي الظروف التي رافقت انتقاله، وكذلك صلة الوراثة التي دمغت كل من الشام والمغرب بطابع المحافظة والتقليد وتلهمها بلاد الأندلس في ذلك.

وقد ظهر في الأندلس كذلك المذهب الظاهري بمساندة من ابن حزم، وهذا ليس انتهاء للمذهب المالكي إنما بقيا يستقيان معًا من معين النقل، ونخلص إلى أن المجتمع الأندلسي لم يكتف في تدينه بمذهب واحد وإنما طبق تعاليم الإسلام، كما أخذت من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

2ـ رابطة اللغة العربية: سيطرت اللغة العربية على بلاد الأندلس حتى غدت هي لغة الدولة الرسمية، حيث أقبل المسيحيين والإسبان على تعلم اللغة العربية وآدابها، حيث كانوا يقرأون الشعر، والأخبار العربية، وتدارسوا كتب الإسلام والفقه، وكل ذلك حتى يتمكنوا من اتقان اللغة العربية، وقاموا على الإنفاق السخي من أجل مكاتبهم العربية.

وقد ظهرت لنا براعة غير العرب في اللغة العربية وخصوصًا في مجال الشعر مثل أشعار ابن سهل، وكان التنقل مستمر بين الأندلس ودول المشرق وله دور كبير في نقل الأدب المشرقي المتمثل بلغة عربية فصيحة إلى بلاد الأندلس.

كان أهل المشرق هم مصدر الثقافة الإسلامية واللغة العربية والاتجاهات الأدبية فهو يبدع ويتميز من بعد ذلك يقوم على تصوير إبداعه إلى بلاد الأندلس، مما يزج بأهل الأندلس إلى تقليد ما جاء إليهم من المشرق سواء شعرًا أو نثرًا، وهكذا سيطر الأنموذج المشرقي على الأدب الأندلسي.

ويظهر لنا تأثر أدباء الأندلس بالجاحظ بأسلوبه المتميز ببلاغته وفصاحته، ومن بينهم ابن زيدون، وأبو خلف بن زيد الذي تلقى علمه على يد الجاحظ عشرين عامًا ثم عاد إلى الأندلس بعد وفاة الجاحظ حاملًا مع أسلوب وببلاغة الجاحظ.

والأمر المستهجن المستغرب أن أول أبيات شعر قد أُنشدت في بلاد الأندلس كانت أبيات تصور الغربة والشوق إلى دول المشرق، وهي أبيات شعرية نظمها الداخل، حيث يصف نخلة منفردة ويشبهها بغربته التي يشعر بها في الأندلس حيث يقول:

تبدت لنا وسط الرصافة نخلة

تنائت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت: شبيهي في التغرب والنوى

وطول التنائي عن بني وعن أهلي

نشأت بأرض أنت فيها غريبة

فمثلك في الاقصاء والمنأى مثلي

وكذلك ما نظمه ابن حزم وتظهر في أبياته الحنين والشوق للمشرق حيث يقول:

أنا الشمس في جو العلوم منيرة

ولكن عيبي أن مطلعي الغرب

ولو أنني من جانب الشرق طالع

لجد على ما ضاع من ذكري النهب

ولي نحو أكناف العراق صبابة

ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب

ويلتقي الأدب الأندلسي مع الأدب المشرقي في قدرته على اكتشاف خفايا الأدب ومواطن الجمال فيه، وقد يلجؤون إلى التسامح في اللحن وخصوصًا في الشعر إذا توفرت التذوق الجمالي فيه، حتى وإن دفعهم ذلك إلى التجني على اللغة العربية وقواعدها.

وقد ساهمت العناصر الحضارية على تنامي شعور الفخر بالهواية الأندلسية، وساعدت عوامل كثيرة في تطور النشاط الأدبي في الأندلس، مثال عليها الصراع الذي دار بين المشارقة وأهل الأندلس، وكذلك الاحتفاء بأدباء المشرق في بلاد الأندلس، بذل المشارقة أقصى طاقتهم من أجل التهوين والتقليل من شأن الناتج الأندلسي الأدبي.

وفي النهاية نستنتج أن العلاقة الأندلسية بالمشرق عبر تاريخها الطويل هو الاعتقاد الثابت بنفس القيم والثوابت، والتمسك بالعقيدة الإسلامية واللغة العربية والأخلاق الحضارية، والتاريخ المشترك.


شارك المقالة: