الحب لا تخونه المسافات، فالمسافة هي عبارة عن اختبار للحب، فهناك الكثير من الأشخاص الذين ابتعدوا عن أوطانهم تاركين ورائهم شريك وحبيب متعلق القلب فيه، فيكون سفرهم هذا من أجل الخوض في تجارب الحياة من دونه، فكيف هي الحياة من غير وجود حب، وهل تصمد المشاعر أمام ضغوطات المسافة أم تصاب بالانهيار؟
مضمون مثل “البعيد عن العين بعيد عن القلب”:
يقال هذا المثل بطريقتين؛ أولهما هي “البعيد عن العين بعيد عن العقل”، وثانيهما هي “البعيد عن العين بعيد عن القلب”، فظروف الإنسان وأحلامه كذلك تتغير من وقت لآخر، بحيث يتوسع في أفكاره ليصل بها إلى أن القريب منه يصبح بعيد عنه.
فالحب والحياة يوميات ومشاركة، تكثر فيها التجارب وتزداد فيها الألفة بين الأشخاص، وكما تعزز الشعور بين أي شخصين فيصبحان كانهما شخص واحد، ولكن عند دخول المسافة بين علاقة أي شخصين؛ فإنها تهز العلاقة بينهم، وكما تغير الغربة مكانة الإحساس التي يضمرها كل واحد للآخر، فهذا المثل كان يتعارض مع المثل العربي ” البعد يزيد القلب ولوعاً”.
دلالة المثل:
يدل هذا المثل على أن البعيد عن حياة الناس هو بعيد عن قلوبهم، بما معناه أنه يُنتسى ويبقى في الذاكرة كصورة فقط، وهذا ما يؤكد أنه عندما تزداد غلاة أشخاص عند آخرين، يجب أن تبتعد عنهم شيئا ما، وذلك حتى يشعرون بقيمة وجود الشخص في حياتهم.
فأوقع هذا المثل الناس في طريقة تائهة؛ وذلك ما بين أن يجبروا على الابتعاد حتى تزداد قيمتهم في قلوب ناس لا يملكون الشعور بأهميتهم أو وجودهم، لأنهم اقتربوا منهم أكثر من المعتاد، أو أنهم يتبعون طريق أن العين لها قلب تبصر القريب منها فتعشقه، وتفتقد البعيد عنها وتنساه.
فقال المتأخرين إن المثل احتوى على خلل وسطحية في المعنى والمبنى، لأنه خلط بين المبتدأ والخبر، إذ أن القلب لا يمكن أن يكون متأخراً في الجملة، كما أنه لا يمكن أن يكون في الجزء الثاني من الجمل، ولا يجب أن يكون جواب الشرط، فهو آلية للقياس ومعيار للحضور، فقالوا في أصل القول أن يكون بهذه الطريقة: إن البعيد عن القلب هو البعيد عن العين، أو أن القريب من القلب تراه في كل الأماكن من حولك، حتى وإن كان تحت الأرض أو فوق السماء، وأيضا لو كانت كل مسافات الكرة الأرضيه بينك وبينه، حتى لو كنت أعمى فالقلب يبصر.
