احتوى الأدب المشرقي القديم على العديد من الأدباء البارزين الذين كان لهم أثر واضح وأثر في الأدب في تلك الفترة، ومنهم الحطيئة الذي تميز بمقطوعات فريدة من نوعها والتي كانت تتميز بأسلوب وخصائص ميزته عن الآخرين آنذاك، وفي هذا المقال سنتعرف عليه وعلى أسلوبه وأهم الخصائص التي تميز بها.
نبذة عن حياة الحطيئة
هو “جرول بن أوس العبسي” من رواد الكلام المخضرمين في الأدب المشرقي، تميزت مقطوعاته وخصوصًا في الهجاء، إذ عمد إلى هجاء كل من حوله ووصل به الأمر لهجاء أقرب الناس له مثل أمه ووالده كذلك زوجته، وقيل عنه أنه كان راوي لمقطوعات كعب بن زهير ومتأثر به، مما جعل له مكانه بارزة في ذاك الوقت، وكان له أساليب وأنماط متميزة ومن أقواله:
فَالشِعرُ صَعبٌ وَطَويلٌ سُلَّمُه
إِذا اِرتَقى فيهِ الَّذي لا يَعلَمُه
زَلَّت بِهِ إِلى الحَضيضِ قَدَمُه
وَالشِعرُ لا يَسطَيعُهُ مَن يَظلِمُه
يُريدُ أَن يُعرِبَهُ فَيُعجِمُه
وَلَم يَزَل مِن هَيثُ يَأتي يَحرُسُه
وشهد له كعب بجودة النظم والتفوق وتنوع ضروب الشعر لديه وعنه أنشد ما يلي:
فَمَن لِلقَوافي شانَها مَن يَحوكُها
إِذا ما ثَوى كَعبٌ وَفَوَّزَ جَروَلُ
يَقولُ فَلا يَعيا بِشَيءٍ يَقولُهُ
وَمِن قائِليها مَن يُسيءُ وَيَعمَلُ
يُقَوِّمُها حَتّى تَقومَ مُتونُها
فَيَقصُرُ عَنها كُلُّ ما يُتَمَثَّلُ
وأما عن كلامه الموزون قيل أنه من أعذب ما قيل في عصره، وخصوصاً تلك التي ذكر بها حكاية كريم وبسببها حاز على لقب “رائد القصة الشعرية” دون منازع وفيها يقول:
وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ
بِتيهاءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما
أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ
يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى
وَأَفرَدَ في شِعبٍ عَجُوزاً إِزائَها
ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهما
وكان الحطيئة عدائيًا ويعود ذلك إلى الحياة القاسية التي عاشها والتي دفعته إلى الهجاء بشكل لاذع حتى أوصله هذا الهجاء إلى الحبس، وقام عمر بن الخطاب بسجنه ليشغله عن أعراض الناس، وأمر بقطع لسانه لولا شفاعة بن العاص وبعد خروجه من السجن نظم مستعطفًا عمر:
ماذا تَقولُ لِأَفراخٍ بِذي مَرَخٍ
حُمرِ الحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ
أَلقَيتَ كاسِبَهُم في قَعرِ مُظلِمَةٍ
فَاِغفِر عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا عُمَرُ
أَنتَ الأَمينُ الَّذي مِن بَعدِ صاحِبِهِ
أَلقَت إِلَيكَ مَقاليدَ النُهى البَشَرُ
خصائص شعر الحطيئة
1- عُرفت أبيات الحطيئة بقلّة الصور التي يستعملها في قصائده وكانت نادرة جدًا.
2- لا يستطيع الدارس معرفة شيء عن قصائد الحطيئة دون العودة إلى مؤلفات التاريخ التي خُطت وقت حياته.
3- ساعدت في توفير بعض المعلومات عنه وعن النمط الذي كان يخُط به قصائده.
4- وحدة الموضوع في مقطوعاته التي عرفت بها قصائده وكانت منفردة في الفكرة.
5- إتقان الصياغة في أبياته التي تميزت بها تراكيبه ومفرداته بكونها تتصف بالترابط فيما بينها.
6- كان الشعر القديم له أثر في مضمون وبنية قصائده، وكان يطغى عليها روح البداوة ويستمد صوره منها.
7- كثرة الأساليب في قصائده التي استعملها بالتوازن بين القديم والحديث في أسلوبه.
8- ذكر الدمن في قصائده وخاصة المديح، ويذكر الدمن مثلما فعلوا في السابق وينوع بين الأبيات القليلة والكثيرة.
9- استعمال الرمز في أبياته وكان له بعد دلالي واحد وجاء أغلبه على نمط ثابت، ومثال عليه استعمال الذئاب ليرمز إلى الاستبداد الذي حلَّ به.
10- طغى التكرار في أبياته، حيث استخدمه بشكل رئيسي من خلال تكرار المفردات والتراكيب وكذلك الأنماط.
11- غلبة سمة التهكم والطرافة في قصائده وكان أسلوبه في الحديث نمط جميل والباطن قبيح، وكذلك كان يفخر بذاته عن طريق أشعاره ويكثر من لوم المقربين منه.
12- كان يعاني من عدم الثقة بالنفس على عكس ما كان يظهر للمستمع في قصائده من التعظيم والتباهي بنفسه.
13- امتلك عقلًا مميز ونظرة بالغة مكتملةً جعلته يصنع حالة مستقلة بين الأساليب الشعرية وخاصة الهجاء.
14- الدمج بين الثناء والهجاء وتفرد بالدهاء، وتمكن من استعماله في قصائده كاستخدام الثناء لأهداف مغايرة.
نماذج شعرية من شعر الحطيئة
1- هجاءه لأمه:
جَزاكِ اللَهُ شَرّاً مِن عَجوزٍ
وَلَقّاكِ العُقوقَ مِنَ البَنينا
تَنَحَّي فَاِجلِسي مِنّا بَعيداً
أَراحَ اللَهُ مِنكِ العالَمينا
أَغِربالاً إِذا اِستودِعتِ سِرّاً
وَكانوناً عَلى المُتَحَدِّثينا
2- هجاءه لوالده:
لَحاكَ اللَهُ ثُمَّ لَحاكَ حَقّاً
أَباً وَلَحاكَ مِن عَمٍّ وَخالِ
فَنِعمَ الشَيخُ أَنتَ عَلى المَخازِي
وَبِئسَ الشَيخُ أَنتَ لَدى المَعالي
جَمَعتَ اللُؤمَ لا حَيّاكَ رَبّي
وَأَبوابَ السَفاهَةِ وَالضَلالِ
وفي النهاية نستنتج إن الأدب المشرقي كان يعج برواد الأدب الذين تميزوا بأدبهم أمثال الحطيئة الذي عاش حياة مريرة كان لها أثر في صقل موهبته، تميزت مقطوعاته بالعديد من الخصائص ومن أبرز الأغراض التي تناولها في أبياته الهجاء.