شعر الاستغاثة في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر شعر الاستغاثة من الأغراض الشعرية المستحدثة في الشعر الأندلسي، وقد أبدع فيه شعراء الأندلس بشكل واضح، وخاصة بعد أن استقروا في بلادهم، وبعد تكوّن المشاعر الوطنية الأندلسية نتيجة للبيئة الأندلسية وما حدث فيها من استقلال تاريخي.

تعريف شعر الاستغاثة في الأندلس

هو ما يعرف بأنه شعر الاستصراخ، وله أسماء أخرى مثل الاستنجاد والاستنفار، وشحذ الهمم والدعوة إلى الجهاد، ورفض الظلم والاستبداد، وتناول شعر الاستغاثة الأحداث التاريخية والسياسية التي حصلت بين أهل الأندلس والدول التي كانت معادية لهم.

وكان الشعر الناتج من شعراء الأندلس في هذا الغرض نابع من وجدان الأمة، وما مرت به من ظروف قاسية، وفي هذا الشعر استعراض للهمم، والدعوة إلى الجهاد، وقد أدى الشاعر الأندلسي واجبه من نداء وتنبيه، ودق ناقوس الخطر بشكل رائع معبر يؤثر في نفوس جميع أهل الأندلس.

ونستطيع القول أن هذا النوع من الشعر قد ظهر وبرز بشكل واضح في عصر الملوك والطوائف، نتيجة لما حدث من أحداث وويلات ونكبات في هذا العصر، وسقوط للمدن الأندلسية، وقد رافق كل هذه الويلات، وهذا السقوط شعر الشعراء الذين بكوا مدنهم الزائلة ورثوها في قصائدهم، ويعتبر أولى صرخات الاستغاثة والاستصراخ كانت في هذا العصر، عصر الطوائف والمرابطين.

ورثاء شعراء الأندلس للمدن الزائلة في الكثير من قصائدهم الشعرية، وكانت أولى هذه الصيحات بعد سقوط مدن الأندلس الكبرى متمثلة بسقوط مدينة إشبيلية ومدينة قرطبة ومدينة بلنسية، وغيرها من مدن الأندلس الكبرى، نتيجة لهذه الظروف شعر أهل الأندلس أن النهاية أصبحت حتمية لا مفر منها، وجاء شعر الاستغاثة ليصور هذه النهاية، وفي هذه المرحلة تم ولادة شعر الاستغاثة وتطور ونما فنيًا.

حيث شحنت هذه الويلات قرائح الشعراء فبكوا على مدنهم وسقوطهم في يد الأعداء، وفجعوا بضياع هذه المدن، ورثوها، واستغاثوا بالمسلمين محاولة منهم لإنقاذها، ووقف اليأس وبث الأمل بين أفرادها.

مواضيع شعر الاستغاثة في العصر الأندلسي

تناول شعر الاستغاثة العديد من المواضيع الشعرية وفيما يلي أبرزها:

1- الحماسة: وهو أول موضع غلب على شعر الاستغاثة، وكان القصد منه بث الحماسة العالية في نفس المتلقي، وهو بمثابة دعوة لثورة والجهاد، واستنفار للهمم لاسترداد ما سلب منهم من مدن واسترجاعها من العدو، ومثال على ذلك قصيدة ابن الأبار الشهيرة والتي يخاطب فيها أبا زكريا الحفصي أمير تونس ويقول فيها:

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا

إن السبيل في مناجاتها درسا

وهب لها من عزيز النصر ما التمست

فلم يزل منك عز النصر ملتمسا

وحاش مما تعانيه حشاشتها

فطالما ذاقت البلوى صباح مسا

طهر بلادك منهم إنهم نجس

ولا طهارة ما لم تغسل النجسا

وأوطئ الفليق الجرار أرضهم

حتى يطاطئ رأسًا كل من رأسا

2- رثاء الدول والمدن المنكوبة: رسم الشاعر في شعر الاستغاثة الصور المأساوية والحالة التي وصلت إليها مدن المستغاث لها، وقد وصف الشاعر في شعره المآسي والويلات التي حدث بالمدن الأندلسية التي سقطت، وكان يلجأ الشاعر في شعر الاستغاثة إلى المقارنة بين حال المدن المنكوبة التي سقطت وبين حالها قبل السقوط، وركز على الأعداء فيها.

وتحوّل مساجدها ودور العبادة فيها إلى كنائس، وتناول ذكر أصوات أجراس الكنائس التي أصبحت تسمع في هذه المدن بدل سماع صوت الآذان، يقول ابن الأبار في ذلك:

يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا

للحادثات وأمسى جدها تعسا

في كل غاربة إجحاف نائبة

تثنى الأمان حذارًا والسرور أسى

إلا عقائلها المحجوبة الأنسا

وفي بلنسية منها وقرطبة

وما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا

مدائن حلها الإشتراك مبتسمًا

جذلان وارتحل الإيمان مبتئسا

3- مديح وذكر محاسن المستغاث به: سواء أكان المقصود قائدًا أو حاكمًا أو حتى جماعة، كما استغاث ابن الأبار في قصيدته التي وصف بها سوء الأوضاع التي حلت  بعد سقوط مدينة بلنسية، واستغاث بها بالأمير الحفصي:

صل حبلها أيها المولى الرحيم فما

أبقى المراس لها حبل ولا مرسا

وأحي ما طمست منه العداة كما

أحييت من دعوة المهدي ما طمسا

أيام سرت لنصر الحق مستبقا

وبت من نور ذاك الهدي مقتبسا

وقمت فيها بأسر الله منتصرا

كالصارم اهتز أو كالعارض انبجسا

ملك تقلدت الأملاك طبعاته

دينا ودنيا فغشاها الرضى لبسا

يا أيها الملك المنصور أنت لها

علياء توسع أعداء الهدى تعسا

خصائص شعر الاستغاثة في الأندلس

1- توظيف أسلوب السرد، فأكثر شعر الاستغاثة اتسم بالطابع القصصي.

2- المقابلة والمطابقة في شعر الاستغاثة، وتعتبر من العناصر الأساسية التي يجب أن تتوفر في شعر الاستغاثة.

3- تميز هذا الشعر بصدق العاطفة، الإحساس الحزين، والحسرة.

وفي النهاية نستنتج أن شعر الاستغاثة الأندلسي جاء نتيجة لعوامل سياسية واجتماعية حلّت بالأندلس، وكان أول ظهور لهذا النوع من الشعر عند سقوط المدن الكبرى في الأندلس بيد الأعداء في عصر الطوائف.


شارك المقالة: