شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


لغة الضاد هي لغة عريقة والأدب المشرقي فرع من فروع أغصانها وقد انبثق من مواهب ربانية قد خصَّ بها الله تعالى بعض خلقه، ولكل مجتمع أدبه الذي يتحدث عن حاله وفكره وأحاسيسه وأفضلها الذي يوحد بين المحتوى والشكل، ومما لا شك فيه أن أرقى الآداب هو الذي تناول الدعوة الإسلامية وبه ينتفع المتلقي في دنياه وآخرته، وفي هذا المقال سنوضح الكلام المنظوم في العهد العباسي المتعلق بالدعوة الإسلامية.

مفهوم شعر الدعوة الإسلامية

الدعوة إلى عبادة الخالق والإيمان به وتوحيده وأيضًا نشره بين الناس وحثهم على العمل بها، والكَلام المنظوم هو حديث نابع من الأفئدة يحمل في ثناياه الأفكار التي تختلج من الصدور، وأَدب الدعوة يرتبط مع الكلام المنظوم بشكل عام في سماته الفنية لكنه ينفرد بخصائص معينة وعرفه العلماء ومنهم الدكتور مصطفى يونس حيث تحدث: “هو ذلك النتاج الأدبي الذي قاله الشعراء والنَّاثرون تحقيقًا لأَهداف الدعوة الإسلامية ودعمًا لمبادِئها ودفاعًا عن كيانها.”

فأدب الدعوة هو الذي يحمل في طياته أفكار إيمانية ومشاعر دينية وظفها الأدباء عن طريق مواضيع متعددة لتخدم مقاصدهم في الدعوة للإسلام، فهو متفق مع الإسلام مناصرًا له داعيًا إلى اعتناقه.

خصائص شعر الدعوة الإسلامية

1- الروح الإسلامية الرفيعة: هذه الروح التي لا تتواجد إلا في أدب الدعوة ولا نلمسها إلا بين المقطوعات المفعمة بالإيمان واليقين.

2- استنباط الأفكار والمعاني من كتاب الله والسنة النبوية: حيث يستوحي الكلام المنظوم معانيه من القرآن والأحاديث الشريفة لأن أهل الأدب المتعلق بالدعوة لا يمكنهم تخطي الحد الذي وضعه لنا الدين.

نشأة شعر الدعوة الإسلامية

برز أدب الدعوة مع بزوغ فجر الإسلام وانتشاره بين البشر وكانت بدايته قوية بهمة أهله والمخزون الهائل من الثروة اللغوية وتجارب عديدة في مجال الكلام المنظوم والنثر، ولقد ظهر هذا الأدب ليكون معبرًا عن حال المجتمع في شكله الجديد ونجح في ذلك وتمكن من المهمة المنوطة إليه ودعم الدعوة وشدَّ من عزيمتها ودافع عن حماها وأفكارها وعقداتها.

مع بدء الإسلام نرى أدب الدعوة يتناول الإيمان ويحث على العبادات، ومثال عليه في تلك الفترة قول الطفيل الدوسي الذي يعبر لأهل قريش عن ماهية الدين وأن الله سبحانه وتعالى واحد وأن سيدنا محمد ورسوله المبعوث بالهدى:

ألا أبلغ لديك بني لؤي

على الشنآن والغضب المردي

بأن الله رب الناس فرد

تعالى جده عن كل ند

كما نجد أدب الدعوة حاضرًا في العهد الأموي يعبر عن قضايا الإيمان ويوضحها ويحث الناس على العبادة ويحببها في النفوس مثال على ذلك قول الفرزدق:

وقد قال لي ماذا تُعدُّ لم ترى

فقيهٌ إذا ما قال غير منفنّد

أما في الفترة العباسية برز أدب الدعوة بشكل كبير الذي انتفض من أجل مواجهة البعد عن الدين وهبَّ أدباء الدعوة بعد أن رأوا ذلك البعد يتفشى في المجتمع، فراحوا يذكرون بالخالق الجبار وبالنار ويدعون إلى حياة إيمانية مليئة بالخير، ومثال عليه قول أبو العتاهية:

تَعالى الواحِدُ الصَمدُ الجَليلُ

وَحَشى أَن يَكونَ لَهُ عَديلُ

هُوَ المَلِكُ العَزيزُ وَكُلُّ شَيءٍ

سِواهُ فَهُوَ مُنتَقَصٌ ذَليلُ

ويظهر ذلك جليًا في شعر دعبل الخزاعي الذي أفصح وعبرَّ عن إيمانه بالله وإخلاصه وتوحيده له:

أَعَدَّ لِلَّهِ يَومَ يَلقاهُ

دِعبِلٌ أَن لا إِلَهَ إِلّا هو

يَقولُها مُخلِصاً عَساهُ بِها

يَرحَمُهُ في القِيامَةِ اللَهُ

موضوعات شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي

1- العقيدة الإسلامية: هي أساس الإيمان والنور الذي يساعدهُ ليُبصِر الحق ويُميزه عن الباطل والعقيدة واحدة لا تتبدل بتغير الوقت أو المكان والأقوام، عرف رواد الأدب قيمة الدين وأهميته في الحياة لذلك أفردوا له جزء كبير من مقطوعاتِهم، وحرصوا على نشرهه وتوضيحه للبشر وحثهم لتمسك به وعدم الشرك بالله لأن ذلك يعد خيبة وخسران كبير وبذلك يقول أبو العلاء المعري:

مولاكَ مَولاكَ الَّذي ما لَهُ

نِدٌّ وَخابَ الكافِرُ الجاحِدُ

آمن بِهِ وَالنَفسُ تُرقى وَإِن

لَم يَبقَ إِلّا نَفَسٌ واحِدُ

تَرجُ بِذاكَ العَفوَ مِنهُ إِذا

أَلحَدَت ثُمَّ اِنصَرَفَ اللاحِدُ

2– الإيمان بوجود الملائكة: يعد من أصول الدين واهتم بذكره العديد من رواد الأدب ويتحدث المعري:

وَعَن يَميني وَعَن شِمال

يَصحَبُني حافِظٌ قَعيد

حَمامَةٌ في غُصونِ أَيكٍ

ناحَت فَأَنشَأتُ أَستَعيدُ

وَما فَقِهتُ المَرادَ مِنها

كُلُّ فَقيهٍ لَهُ مُعيدُ

3- الإيمان القرآن الكريم: توجه الشعراء إلى ذكر آيات القرآن في مقطوعاتِهم مثل القشيري الذي يطلب من رفيقيه الأبتعاد عن اللهو والعبث ويتلوا الفاتحة:

جنبني المجون يا صاحبي

واتلوا سورة الصلاة عليَّا

كذلك قول المعري:

لم يشف قلبك فُرقان ولا عِظةٌ

وآيةٌ لو أطعت الله تشفيكا

4- الإيمان بوجود الرسل: برزت ملامِحه في الكلام المنظوم حيث تم ذكر أسمائهم كعيسى عليه السلام ومثال عليه الشاشي:

وعيسى رسول الله مولود مريم

غذته كما قد غُذيت بالمطاعم

كذلك بن عباد يعبر لحبه للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته ويقول:

يقولون لي لا تحب النبي

فقلت الثرى بفمِ الكاذبِ

أحب النبي وأهل النبي

واختص آل أبي طالبِ

5- الإيمان بيوم القيامة: حيث ذكره رواد أدب الدعوة أنه اليوم المنتظر وعنه يقول المعري:

وأمامنا يوْمٌ تقُومُ هُجُودُهُ

من بَعدِ إبلاءِ العِظامِ ورَفْتِها

لا بُدّ للزّمَنِ المُسيءِ بنا إذا

قَوِيَتْ حبالُ أُخوّةٍ من بتّها

فاللّهُ يَرْحَمُ مَن مضَى مُتَفَضِّلاً

كما تطرقوا في مقطوعاتِهم إلى موضوع العرض والحساب في ذلك اليوم العظيم كما في قول السكري الذي يعظ نفسه ويذكرها بهذه الساعة:

راقبي الله واحذري موقف العر

ض وخافي يوم الحساب العصيب

ولم ينسى الأدباء نهاية المطاف بعد الحساب وهي الجنة والنار وأكدوا من خلال أبياتِهم على إيمانهم بها ومثال عليه قول المعري:

خُلِقَ النَّاسُ لِلْبَقَاءِ فَضَلَّتْ

أُمَّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ لِلنَّفَادِ

إِنَّمَا يُنْقَلُونَ مِنْ دَارِ أَعْمَا

لٍ إِلَى دَارِ شِقْوَةٍ أَوْ رَشَادِ

العبادات في شعر الدعوة الإسلامية

العبادة علاقة البشر مع الله سبحانه وتعالى بواسطتها يجرد الفرد نفسه ويطهرها من المعاصي ويجني الأجر الكبير، وهي تطبيق فعلي للعقيدة بها يكسب رضا الله ومحبته ومن خلالها يهذب نفسه ويرقى بها، صور لنا أدب الدعوة العديد من العبادات ومنها التقوى ويظهر ذلك في حديث المعري:

وَما لَبِسَ الإِنسانُ أَبهى مِنَ التُقى

وَإِن هُوَ غالى في حِسانِ المَلابِسِ

وَيُبدي لِدُنياهُ الفَتى وَجهَ ضاحِكٍ

وَما فَتِئَت تُبدي لَهُ وَجهَ عابِسِ

ويصف العقيلي حال أهل التقوى في الدنيا والآخرة قائلًا:

إِذا سَلَكَ العَبدُ نَهجَ التُقى 

فَـــكـــانَ لِسَـــيِّدِهِ طـــائِعــا

فَــذَلِكَ مَــن لا يَــرى نَـفـسَهُ

هُــنــاكَ وَلا هَهُـنـا ضـائِعـا

كما تظهر العبادات القلبية مثل الخوف والرجاء في أدب الدعوة وهي صادقة نابعة من الإيمان المغروس في القلوب ومثال عليه قول المعري:

كـرم المـهـيـمـن منتهى أملي

لا نـيـتـي أرجـو ولا عـمـلي

يــا مــفــضــلاً جــلت فــواضــله

عن بغيتي حتى انجلي

 كــم قــد سـتـرت عـلي مـن زلل

والمُتمعن في شعر الدعوة يرى تصوير بديع لأشكال التوبة والرجوع إلى الله بعد الغرق بالمعاصي واللهو ويقول في ذلك المغربي:

كنت في سفرة البطالة والجه

ل زمانًا فيحان مني قدوم

أشار الأدباء إلى أن الصلاة عمود الدين ولا يستقيم إيمان الفرد إلا بها ويقول المعري:

لحَمدُ لِلَّهِ قَد أَصبَحتُ في دَعَةٍ

أَرضى القَليلَ وَلا أَهتَمُّ بِالقوتِ

وَشاهِدٌ خالِقي أَنَّ الصَلاةَ لَهُ

أَجَلُّ عِندِيَ مِن دُرّي وَياقوتي

ونرى تشوق رواد أدب الدعوة لأداء هذه الفريضة بعد عجزهم وضعفهم عنها ومثال عليه أبيات أبي جعفر البحاث الذي عبر عن شوقه لأدائها متحسرًا على ذهاب قوته التي كانت تسانده لأدائها ويقول:

أقــول وللدمــع فــي وجــنـتـي

ســوابــق قــطــرٍ له مــســتـهـلّ

ســلام عـلـى طـيـب عـيـشٍ مـضـى

وأنــسٍ بــإخــوان صــدقٍ نــبــل

وفي النهاية نستنتج إن أدب الدعوة الإسلامية من أرقى الآداب وبه ينتفع البشر في دنياهم وآخرتهم وبرز هذا الأدب مع بزوغ فجر الإسلام وانتشر بين البشر، كذلك تطور على مر الزمان نتيجة البعد عن الدين والغَرق في حياة المجون فتنبه الأدباء لذلك وراحوا يذكرون بالخالق والنار ويدعون إلى الإيمان والتمسك بالعقيدة.


شارك المقالة: