صورة المرأة في شعر عمر بن أبي ربيعة

اقرأ في هذا المقال


إن عمر بن أبي ربيعة ليس مفتونًا بجمال الأنثى الخارجي، بل تغلغل في مكنون نفسها وتعمّق في داخلها وكشف عن ما تكتنزه من عواطف وأحاسيس، وكل ذلك كان له وقع في إعطاء مقطوعاته أهمية كبيرة، وفي هذا المقال سنوضح صورة المرأة من خلال مقطوعات عمر بن أبي ربيعة.

صورة المرأة في شعر عمر بن أبي ربيعة

إن الذي ساعد عمر في التوغل والتعمق في نفسية الأنثى نشأته في أحضان النساء سواء أكانت والدته أم صاحباتها القينات، فكان دائم الإنصات لكلام النساء وحوارهن وعندما شبَّ ساعده هذا الاختلاط بالنساء منذ الصغر على الغزل ومرافقه الحسان وكان يتصف في ذلك الوقت بالجمال.

ومن الأمور التي ساعدته على الغزل وأذكَت هذه الموهبة في داخله العصر الذي كان مجتمعًا غزليًا في جميع أشكاله، حيث كان الرجل يختلط بالأنثى على سنة المصاحبة والمساواة وكل ذلك سببه الحرية الواسعة التي مُنحت للمرأة في ذاك الوقت، وعلى الرغم من هذه الحرية فالأنثى لم تتحرر من عادات وأعراف الحياة فنراها لا تستطيع الكشف عن عشقها وهواها بل تكتمه خوفًا من أهلها وعن ذلك يقول عمر:

أشارت بطرف العين خشية أهلها 

إشارة محزون ولم تتكلم

فأيقنت أن الطَّرف قد قال مرحبًا

وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم

وإن كانت المرأة تواري حبها وعشقها عن أهلها ومجتمعها فإنها تكشفه لرفيقاتها وأقرانها وتحدثهن عن لوعتها وشوقها وعدم قدرتها على الصبر والفراق وتطلب منهنَّ المساعدة وإرشادها في أمر هذا العشق الذي تمكن منها وعن ذلك يقول عمر: 

قالت على رقبةٍ يوما لجارتها

ماذا ترين فإن القلب قد تَبِلا

وهل لي اليوم من أخت مواسيةٍ

منكن أشكو إليها بعض ما فعلا

وتوضح لهن عن مدى مصابها وقلبها كليم بسبب هذا العشق كما يقول:

ثم قالت لِتربها إن قلبي

من هواه أمسى مصابًا كلما

كما تطلب من أختيها أن تذهبا إلى محبوبها وتذكر اسمه لهن دون حرج وهو أبو الخطاب وتُبلغاه سلامها وتخبرانِه عن الشوق والهوى الذي تملكها بسببه وأنه عندها أطيب من الماء البارد وقت الظمأ وعن ذلك يتحدث عمر:

وقالت لأُختيها اذهبا في حفيظةٍ

فَزورا أبا الخطاب سرًا وسلِما

وقولا له والله ما الماء للصدى 

بأشهى إلينا من لقائك فاعلما

كما أنها تناشد صاحبتها وتطلب منها أن ترتقب قدوم محبوبها الذي تعلق قلبها بهواه ولن تنساه حتى الممات وينشد عمر عن ذلك:

قفي فانظري أسماء هل تعرفينه

أهذا المغيري الذي كان يذكر؟

أهذا الذي اطريت نعتًا فلم أكن

وعيشك أنساه إلى يوم أُقبر؟

إن عاشقة عمر قد أولعت بحبه وتمكن من السيطرة على عقلها، فعندما تذكره لا يهدأ لها بال ولا تقر لها عين ويحاولنَ صاحباتها تخفيف الأمر عليها ويطلبن منها القيام وإشغال نفسها وفكرها عنه، لكنه دون فائدة فهي حين تقف تترنح كشارب الخمر ولا يستقيم حالها إلا بعد رؤية محبوبها ويقول عمر:

قامت ولم تفعل ونامت فلم تُطِق

فقلن لها قومي فقامت ولم لم

تُبن غير أن قد أو مأت فَعمدتها

كشارب مكنون الشَّراب المختَّم

فلما التقينا باح كلُّ بسِرهِ

وأبدى لها مِنّي السرور تبسم

كما توجه عمر إلى توضيح صورة اعتراف وبوح المرأة لمحبوبها بعشقها وهيامها به في كثير من المقطوعات، وقال عنها أنها إذا عشقت لا تفصح للرجل عن ذلك فقط إنما تعدُّه أمير قلبها بلا منازع وفتى أحلامها الذي لا يرد ويوضح عمر ذلك على لسان محبوبته:

فإنك عندي فيما اشتهيت

حتى تفارق رحلِي أمير

فأنت أبا الخطاب غير مدافع 

علي أمير ما مكثت مؤمر

ويقول في ذلك أيضًا:

أن ترد الواشين فينا كما أع

صى إذا ما ذكرت عندي أمير

كما صور لنا عمر حال المرأة العاشقة وقت الفراق الذي يحزن قلب المحب ويؤلمه، ويتحدث لنا عن حال صاحبته وكيف تتمنى لو أن العُمر كله لقاء لكن ذلك مستحيل في مجتمع لا يُبيحُ لهم ذلك، ويصور لنا حالها وكيف تستغل الفرص من أجل لقائه وتتمنى أن يطول ليلها ليصبح شهرًا كما يقول: 

سمون يقلن ألا ليتنا

نرى ليلنا دائمًا أشهرا

ويغفل ذا الناس عن لهونا

ونسمره كلَّه مقمرا

وقمن يقلن لو أن النَّها 

رمد له الليل فاستخر

لقينا به بعض ما نشتهي

وكان الحديث به أسورا

ثم يعبر عمر في صوره عن المرأة وحبِّها للرجل وكيف أنها ترفض الاشتراك والتعدد فهي تريد أن تتفرد بقلب من تحب فلا تقبل لأي أنثى أخرى من الاقتراب منه وشغله عنها، وتتمنى أن تكون متفردة متربعة على عرش قلبه وإذا حصل عكس ذلك تغضب كثيرًا لدرجة أنها مستعدة لأكل لحم محبوبها نيئًا كي تشفي غيظها وعن ذلك يقول عمر على لسان صاحبته:

قد كنت حملتني غيظًا أعالجه

فإن تُقدني فقد عنيتني حِجحا

حتى لو استطيع مما قد فعلت بنا

أكلت لحمك من غيظي وما نضجا

ومن خلال مقطوعات عمر وضحت لنا عاطفة الحب والهيام عند المرأة بطريقة معبرة حيث استطاع أن يكشف عن مكنون نفسها والتعمق في داخلها فأخرج منها ما فشل الشعراء عن إخراجه وتوضيحه للمتلقي من خلال مقطوعاتِهم.

وفي النهاية نستنتج إن عمر بن ربيعة قد تمكن من تصوير المرأة العربية في مقطوعاته وتغلغل في مكنون نفسها والتعمق في داخلها وكشف ما تمتلكه من أحاسيس وعواطف، ولقد برع في ذلك وتميز على غيره من الأدباء ويرجع سبب ذلك إلى نشأته وسط أحضان النساء كأمه وصاحباتها وكذلك القينات في منزله.


شارك المقالة: