فنون الشعر الأندلسي المتطور

اقرأ في هذا المقال


تميّز العصر الأندلسي بالاستقرار والرفاهية على مدى مدة زمنية طويلة، وكان يطلق على هذه الفترة من الزمن بالعصر الذهبي، وأدى هذا الاستقرار إلى تطور الشعر وتألقه، ويرجع ذلك أيضًا إلى الحالة المزاجية الجيدة التي كان يعيشها أهل الأندلس في هذا العصر، فكان لها أثر واضح على أدبهم وشعرهم، فجادت أقلامهم بكتابة القصائد والدواوين الرائعة، وفي هذا المقال سنتناول الفنون الشعرية المتطورة التي ظهرت في هذا العصر.

عوامل تطور الشعر الأندلسي

امتاز العصر الذهبي للأندلس بوفرة شعرية، وظهر العديد من الشعراء المشهورين، وكان انتشار الأدب والثقافة والعلوم في جميع أنحاء الأندلس الأثر الأكبر في تقوية الشعر وازدهاره وتطوره، وكان للبيئة الأندلسية أثر في تطور الشعر، فهي تُعَد الملهم الأول لشعراء، فكانت تحث خواطر الشعراء وتغذيهم، حتى أننا نجد أن معظم القصائد كانت مرتكزة على الطبيعة الأندلسية فقط، ومن العوامل التي أدت إلى تطور الشعر الأندلسي ما يلي:

1- بروز الاتجاه المحافظ الحديث.

2- نمو الاتجاهات المحافظة والمستحدثة، وأيضاً الاتجاه الشعبي.

3- تسرب بعض الأفكار العلمية.

4- الازدواج اللغوي، وذلك بمزج ألفاظ غريبة إلى اللغة العربية الفصحى.

5- تصوير العهد الذهبي.

6- زيادة أعداد الشعراء لدرجة كان من الصعب على العلماء إحصائهم في ذلك العصر.

مراحل تطور الشعر في العصر الأندلسي

مَرّت مراحل تطور الشعر في العصر الذهبي إلى ثلاث مراحل أساسية وهي ما يلي:

1- مرحلة تقليد الشعر الشرقي

تعتبر بدايات شعراء الأندلس عبارة عن تقليد خالص لشعر في المشرق العربي، وكان لشعراء المشرق تأثير كبير على شعراء الأندلس أكثر من شعراء الغرب، وكان لتوحد اللغة والدين بينهم وبين المشرق أثر في هذا التأثر أكثر من من التأثر بالغرب الذين يختلفون عنهم بلغتهم وعقيدتهم، وترتب على ذلك التزامهم بنفس الأغراض الشعرية التي كانت سائدة في المشرق العربي، والالتزام بالأغراض الشعرية التقليدية مثل:

شعر الغزل: فهو لم يختلف في الأندلس عما كان عليه في المشرق، ونظم فيه معظم شعراء الاندلس، ووصف شعرهم بأنه كان أقرب إلى الغزل عذري أكثر من كونه غزل مجون، مثل قصيدة عبد الرحمن بن الحكم، ويقول فيها:

فقدت الهوى مذ فقدت الحبيبا

فما أقطع الليل إلا نحيبا

وإما بدت لي شمس النّها

ر طالعةً ذكرتني طروبا

فيا طول شوقي إلى وجهها

ويا كبدًا أورثتني ندوبا

شعر المدح: كان شعر المدح في الأندلس مشابه لشعر المدح المشرقي من جهة ومن جهة وفرة الأسباب لنظمه، وكثرة شعرائه، ومن الشعراء المشهورين في هذا المجال الشاعر أبو القاسم عباس بن فرناس، ومن شعره ما يلي:

شددت بمحمودٍ يدًا حين خانها

زمانٌ لأسباب الرجاء قَطُوعُ

بنى لمساعي الجود والمجد قُبّةً

إليها جميع الأجودين ركوع

2- مرحلة التجديد في الشعر الأندلسي

لم يبق الشعر الأندلسي مقلدًا ومتأثرًا في شعر المشرق العربي، وعزم شعراء الأندلس لتوجه نحو التجديد في الشعر، وكان لهذا التوجه أثر في ظهور عدد من الأغراض الشعرية، التي لا تشبه شعر المشرق، فلقد اختفى تأثر الشعر الأندلسي بالشعر المشرقي نتيجة هذا التوجه، ومن الأغراض الشعرية التي برزت في هذه المرحلة ما يلي:

شعر الطبيعة: وكان للبيئة الأندلسية الخلابة أثر واضح في ظهور هذا الغرض الشعري المختلف عن شعر المشرق، وكان لاختلاف التضاريس من حيث وجود السهول والهضاب والجبال وغيرها، أثر في ازدهار شعر الطبيعة، ومن الشعراء الذين تميزوا بهذا الشعر ابن خفاجة حيث قال في وصف جبل:

بعيشك هل تدري أهوج الجنائب

تخبُّ برحلي أم ظهور النجائب

فما لُحت في أولى المشارق كوكبًا

فأشرقت حتى جئت أخرى المغارب

وحيدًا تهاداني الفيافي فأجتلي

وجوه المنايا في قناع الغياهب

الموشحات الأندلسية: ولد الموشح وترعرع في الأندلس، وأصبح ذكر الموشح مرتبط في الأندلس، وظهر هذا الغرض من الشعر نتيجة لظهور الغناء والموسيقى في الأندلس، ومن الوشاحيين المشهورين في الأندلس، الوشاح لسان الدين الخطيب الذي يقول في إحدى أشهر موشحاته ما يلي:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلم

في الكرى أو خلسة المختلس

إذ يقود الدهر أشتات المنى

تنقل الخطو على ما يرسم

3- مرحلة سقوط الأندلس وتأثيرها على الشعر الأندلسي

تأثر الشعر الأندلسي بسقوط المدن والممالك الأندلسية، وقد توجه العديد من شعراء الأندلس إلى رثاء مدنهم التي دمرت، وأدى هذا الوضع الذي حلّ بالأندلس إلى ظهور غرض شعري جديد تميز في نظمه الشعراء وهو:

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان

فلا يُغر بطيب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دولٌ

من سره زمن ساءته أزمان

وهذه الدار لا تبقي على أحد

ولا يدوم على حالٍ لها شان

يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ

إذا نبت مشرفيّات وخرصان

وفي النهاية نستنتج أن العصر الأندلسي تميز بالاستقرار والرفاهية فترة من الزمن، وأطلق عليه العصر الذهبي، وأدى هذا الاستقرار إلى تطور الشعر وتألقه، وكان للحالة المزاجية الجيدة التي عاشها أهل الأندلس أثر في تطور الشعر وازدهاره، وظهور أغراض شعرية متطورة.


شارك المقالة: