قصة الطبيب المعجزة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية التركية، وقد تمحور الحديث حول شاب كان يعاني من التوحد، إلا أنه طموحه قد أوصل به إلى أن يكون من أبرز الأطبّاء في المنطقة بأكملها.

قصة الطبيب المعجزة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شاب يدعى روبرت، حيث أن روبرت كان شاب في مقتبل العمل ولكنه لا يعيش حياته كبقية الشباب، إذ كان يعاني من مرض التوحد، وهذا الأمر كان يجعله شاب يتميز بدرجة ذكاء عالية جداً كما أنه كان الموهبة بداخله طاغيه إلى حد كبير، ولكن الظروف التي تحيط به جعلته يعيش حياة قاسية جداً، وأكثر مشكلة كان يعاني منها هو التنمر، كما كان من الأشخاص غير المرغوب بوجودهم منذ أن كان طفل، وأكثر ما تأثر به هو وفاة شقيقه والذي يدعى توم، وهو كان من أكثر الأشخاص الداعمين والمتفهمين لوضعه.

ومنذ وفاة شقيقه قرر أن يصبح في المستقبل طبيباً؛ وذلك حتى يتمكن من مساعدة الناس وإنقاذ حياتهم، قضى روبرت طفولته في دور رعاية الأيتام بعد أن رفض والداه تربيته، وفي دار الأيتام كان هناك أستاذ يدعى هنري، وهذا الطبيب كان يولي اهتمام كبير إلى روبرت وقد ساعده إلى أن حقق حلمه في دراسة الطب وتخصص في قسم الجراحة، وفي تلك المرحلة كان روبرت طبيب مميز جداً بين زملائه من الأطباء؛ ومن أكثر ما كان يميزه هو امتلاكه لذاكره فولاذية وقوية.

ثم بعد ذلك بدأ روبرت مرحلة ممارسة عمله كطبيب، وفي يوم من الأيام قام روبرت بالسفر من مكان إقامته في إحدى القرى التركية إلى مدينة إسطنبول، إذ تعين بشكل رسمي كطبيب في إحدى المستشفيات الحكومية، وفي أثناء وجوده بالمطار وقع لوح من الزجاج على رأس طفل صغير، فتجمعت الناس حول الطفل وطلب والدا الطفل المساعدة إن كان هناك طبيب موجود في المطار، وهنا توجه طبيب كان موجود هناك كما توجه روبرت كذلك من أجل تقديم المساعدة للطفل، وأول ما باشر الطبيب الآخر في محاولة لإنقاذ الطفل أشار إليه روبرت بأن عمله خاطئ، وأنه بذلك سوف يعمل على إتلاف الرئة ومجرى التنفس لدى الطفل، وقام روبرت بطريقة مغايرة وقد تم من خلالها إنقاذ الطفل بالفعل.

وما أن وصل روبرت من رحلته وتوجه إلى المستشفى ورآه الأطباء رفضوا أن يعمل معهم في المستشفى طبيب يعاني من التوحد، ولكن مدير المستشفى والذي كان الأستاذ هنري ذاته أخبرهم أن من يعاني من التوحد ليس إنسان مختل عقلياً بل قد يكون من أذكى الأشخاص الذين يمكن مقابلتهم، وأن روبرت مشهور بأدائه المميز والعالي، ومن هنا بدأ روبرت عمله في المستشفى كمساعد جراح في المستشفى وكان يدعمه المدير وبعض العاملين، في بداية عمله لم يحظى بمحبة فريق الأطباء وكانوا جميعهم يتعاملون معه على أساس أنه شخص غريب ولا يرضى أحد منهم أن يتواصل أو يتعامل معه.

ولكن على الرغم من كل ما واجهه كان يحقق نجاح تلو نجاح يشيد به كافة الأطباء، وعلى وجه الخصوص في حالات التشخيص ومعرفة المرض الذي يعاني منه المريض من خلال أعراضه؛ ويعود ذلك إلى قوة التخيل لديه والذاكرة الفذة، والتي كانت تسمح له بتصور مكان الألم وتحليل أسبابه وعلاجه، وبعد كل تلك النجاحات اكتشف طبيب يدعى فيرمان وهو ما يعمل كرئيس فريق مساعدي الجراحة مهارات روبرت ويقدم له كامل الدعم في التواصل مع الأخرين وكيفية التعامل مع الأشخاص الآخرين ويصبحان شخصان قريبان من بعضهما البعض في علاقة وطيدة، وقد كان السبب الذي يكمن خلف اهتمام فيرمان العميق بروبرت هو أن فيرمان لديه شقيقه تدعى كاريس مصابة بتأخر عقلي؛ وقد حصل لها ذلك جراء إصابة قديمة، وطوال الوقت يذكره روبرت بشقيقته.

وأول ما بدأ روبرت عمله كان تحت التجربة لمدة ستة شهور، وكان متمكن من إثبات مهاراته ومقدرته في أن يكون جراح ممتاز، وكان يغتنم كافة الفرص ويبذل قصارى جهده حتى يصبح طبيباً ناجحاً، وقد بدأ حياته الجديدة في مدينة إسطنبول، ثم بعد فترة قصيرة انتقل للإقامة في منزل جديد استدل عليه من إحدى الطبيبات العاملات معه في ذات المستشفى وتدعى نزلي، وكان ذلك المنزل قريب من منزلها الذي تقيم به مع إحدى زميلاتها والتي تدعى الممرضة أشيليا، ومنذ ذلك الوقت أصبح كل من روبرت ونزلي صديقان، وفي كل يوم يقتربون من بعضهم أكثر فأكثر.

وخلال فترة عمل روبرت بالمستشفى يتعرف على نازلي أكثر، فقد كانت طبيبة مجتهدة ونشيطة ضمن فريق الجراحة، مع مرور الوقت تطورت العلاقة بينهم إلى أن أصبحت علاقة حب قوية، على الرغم من أن روبرت في الكثير من الأحيان كان يقوم بحركات غير طبيعية جراء مرضه، إلا أن نزلي أخذت على عاتقها مساعدته في تخطي كافة المصاعب والتأقلم مع الحياة الطبيعية وتدعمه في حل مشاكل الحياة التي تواجهه.

وفي ذلك الوقت كان روبرت يعاني من مشكلة التواصل مع المرضى أو ذويهم وعدم مقدرته على التواصل اجتماعياً واتباع الصراحة الشديدة مع المرضى في شؤون حالتهم الصحية، كان ذلك الأمر قاسي جداً على المريض، والحالة الصحية لأي مريض كانت تعتبر من الأسرار التي يجب أن يتم المحافظة على خصوصيتها من قبل الأطباء أو توصيلها للمرضى بأسلوب ملائم لنفسية المريض، وكان هذا الأمر من وجهة نظر روبرت من الأمور التي يعترض عليها على الدوام.

ولكن مع مرور الأيام ومع مساعدة نازلي له تمكن من اجتياز الأمر بطريقة ما، كانت نزلي تتميز بشخصية رقيقة ولطيفة وحساسة وتسير على مبادئ وقيم إنسانية راقية وطيبة القلب وشغوفة دوماً من أجل مساعدة الآخرين، وبهذا المبدأ التي كانت تسير عليه تمكنت من كسب محبة وقبول كامل أفراد الفريق الطبي في قسم الجراحة، وهذا ما جعلها في علاقتها مع روبرت الذي كانت تظهر من جهته عدة صعوبات فهو كان لا يتقبل أن يلمسه أو يتقرب منه أي شخص مهما كان وبالتالي كان يرفض تماماً فكرة الزواج، إلا أنها نجحت في كسر تلك المخاوف من خلال كسب ثقته.

وفي نهاية الأحداث توفي الطبيب هنري جراء تصديه لعيار ناري عن روبرت كان قادم من قِبل أقارب أحد المرضى، وبعد وفاته دخل روبرت بحالة نفسية وعصبية تعرف باسم متلازمة اللاكتين، وعلى إثرها دخل روبرت في غيبوبة إلى ما يقارب على العشرة أيام، ولكن بفضل محاولات وجهود نزلي الطبيب فيرمان تمكن من تجاوز تلك الحالة المرضية والعودة من جديد لعمله، ثم أصبح روبرت بعد ذلك أفضل على المستوى الطبي والاجتماعي، وقد أصبح طبيب متخصص بالمستشفى، وأخيراً تزوج روبرت من نزلي وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها، إلا أنهم تمكن من اجتيازها وعاشا حياة سعيدة وأنجبا طفل.

المصدر: كتاب من الأدب التركي المعاصر مختارات من القصص القصيرة - مجموعة من المؤلفين الأتراك - 2009


شارك المقالة: