تُعتبر هذه القصة من إبداعات ألبيرتو مورافيا الأدبية، وقد تناول في مضمونها الحديث حول قصة فتاة بعد أن فقدت شعورها تجاه والدها فبدأت بالبحث عن أب جديد، ومع مرور الوقت عثرت عليه إلا أنها لم تستمر طويلاً في الحياة معه إذ انتحر في النهاية.
قصة صوت البحر
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهي فتاة شابة تعيش مع والدها الأرمل وهي وحيدته، كانت الفتاة ووالدها يعيشان بمفردهما في المنزل، وفي كل يوم كانت تلك الفتاة تتلقى ضرباً مبرحاً من قِبل والدها، وأكثر ما يتم ضربها وقت تناول وجبة الغداء، ففي كل مرة يتم تناول الغداء سوياً تدور بينهم نقاشات تنتهي بضرب الأب لابنته؛ وقد كان السبب خلف ضربها هو أنها باستمرار تخالف آراءه.
فعلى الرغم من أنها دائمًا على حق، إلا أنه لا يعترف بذلك، وفي كل مرة تتلقى الصفعة تلو الأخرى، ولكن لم تفكر في أن تغادر المنزل ولا حتى تذرف أي دموع، بل تستمر في حديثها وهي تحني رأسها على طبقها، ولأنه إنسان عاطفي كان يذرف الدموع ويتمم بأنه يحبها جداً، بينما هي كانت تطلق العنان لمشاعر الكراهية اتجاهه.
وقد كان عمر والدها يشارف على الستين عام، إلا أن تصرفاته كانت تماماً كتصرفات المراهقين، إذ على الدوام يصادق الفتيات وقد كانت ابنته تراقبه عبر ثقب الباب، وهذا الأمر قد تسبب في كرها للجنس الآخر، وقد نفرت من الارتباط بأي رجل شاب، وإنما كانت تفضل الجلوس مع كبار السن، ليس من باب الارتباط، وإنما تبحث فيهم عن الأب المثالي، إذ على الدوام كانت تشعر أنها بحاجة إلى أب، ولكن بعد أن التقت مع بعض الرجال بعمر والدها، لم تجد من هو منهم أهل لأن تقيم معه علاقة صداقة.
وفي أحد الأيام التقت برجل وجدت فيه أنه ذلك الرجل الذي تبحث عنه، ولكن حينما تم اللقاء بينهم أكثر من مرة، وجدت أنها تعدت علاقة الصداقة بينهم إلى أن أصبحت علاقة حب، إذ بدا لها أنه يتوافق معها من جميع النواحي من وجهة نظرها، كان يعمل كرجل أعمال، وكافة تعاملاته مع من هم حوله كان بالأمور الاقتصادية، وكان رجل طويل القامة ويمتلك جسد نحيل قاسي الملامح وكأنه لوح من خشب عتيق، وقد كان على الرغم من أنه رجل ثري، إلا أنه زهيد.
ولم يكن يختصر زهده على الأموال فقط، وإنما كان زاهد كذلك في إقامة علاقة مع تلك الفتاة، ولم تعلم بالتحديد ما هو السبب خلف ذلك أهو بسبب فارق السن بينهم أم بسبب أنه على الدوام منشغل بأعماله، أم بسبب طبيعة العلاقة بينهما، وكانت تتساءل من المحتمل أن يكون خلف زهده هذا هو الثلاثة أسباب السابقة معاً، ولكن كان هناك شيء واحد واثقة منه تلك الفتاة تمام الثقة وهو أن مدى عشقة لها كان مداه بعيداً وموضوعياً وثاقباً.
حيث أنه في كل مرة كان يحدق النظر بها يجد بها الفتاة المثالية، وهي من أصلها هكذا فلا حاجة إلى أن يضفي عليه شيئاً، وهذا الأمر كان يدفعه على الدوام في التعبير لها عن مدى حاجته إليها، وقد طلب منها عدة مرات أن تترك منزل والدها وتأتي لتعيش معه، لكنها في الكثير من الأحيان كانت تشعر أنها على الرغم من كل ذلك، إلا أنه لم تكن تخطر بباله ولو لمجرد لحظة، حينما لا تتواجد أمامه.
وفي ذلك الوقت كان الفتاة تشعر أن حبه لها ممزوج بين كل من العدوانية والواقعية، فقد كان رجل يكمن به الخير في كل شيء، ولكن ربما بسبب ما قد تعرض له أو عاشه في السابق كان يظهر في الكثير من الأحيان أنه عديم الوجدان والضمير وغير مبالي يضفي إلى لعب الورق في معظم أوقاته.
وفي يوم من الأيام خاض في لعبة ورق كبيرة، وفي تلك اللعبة خسر كل أمواله وأعلن إفلاسه، وقد انتشر خبر إفلاسه في مختلف الجرائد والمجلات؛ وذلك لأنه كان رجل مشهور، وقد علمت الفتاة بهذا الأمر من الجرائد، إذ لم يكن قد أخبرها بذلك، وحين سمعت بذلك هرعت إليه لترى ما حل به، وإذ به تجده بذات الملامح غير المبالية، ولكنه في لحظة ما ودون أن يتحدث بشيء عزم على حزم جميع أمتعته، وهنا اعتقدت أنه سوف يهرب ويتركها، ولكنه لاحظ خوفها ذلك فقال لها: إنها مرحلة قاسية وأنه يرغب في البدء من جديد وعلى الفور، وهنا اقترح عليها أن تذهب معه بتلك الرحلة، وقد أشار إلى أن وجودها إلى جانبه تجعل إمكانية التفكير لديه أوسع، وأنه يتمكن من ترتيب أوراقه بشكل أسرع والشروع في العمل.
وهنا وافقت على الفور، إذ اعتقدت أنها سوف تنتقل لمكان تقضي به العطلة الصيفية مثل شاطئ لوكابري، ولكن في لحظة ما لمحت تذاكر الطائرة اللتان كانت على الطاولة ومؤشر عليها باسم بلدة بتاهيتي، وهنا توجهت إلى منزل والدها وقامت بوداعه، ومن ثم ذهبت مع والدها البديل، وعند الصعود على متن الطائرة جلسا إلى جانب بعضهما البعض، وقد قاما بكل أمر سوياً من تناول وجبات الطعام في الطائرة والنظر إلى الغيوم، وفي لحظة من اللحظات أدركت أنها تكن له محبة كبيرة، وما زاد من تمسكها وتعلقها به هو ذلك البرود الذي يعيشه في ظل الكارثة التي وقعت به.
وبعد أن حطت الطائرة ووصلا إلى إحدى الفنادق الواقعة على شاطئ البحر، بدآ منذ تلك اللحظة يعيشان حياة العشاق الهادئة دون أي إزعاج، ففي الصباح كانا يذهبا للسباحة في البحر، وبعد الظهر يقومان بالتنزه في السيارة في الحدائق ويتوقفان في تلك الأماكن الأكثر جمالًا وإبداع، وتلك الأماكن أكثر ما تفضل تأمله.وكانت الفتاة في كل لحظة تستمتع بسماع تضارب الأمواج وصوت الهدير الصادر منها، وبينما كانت تجلس على طرف الشاطئ كان الصوت في بداية الأمر يبدو وكأنه لا يمكن سماعه، وبعد أن ركزت في الصوت أكثر شعرت كأن صوت البحر يردد كلمة حب.
وهنا بدأت السعادة تغمرها بشكل كبير جداً إلى الحد الذي شعرت به أن السعادة عرفت طريقها إليها ولن تفارقها بعد ذلك، فتوجهت بنظرها نحو صديقها الذي كان يجلس إلى جانبها وملتزم الصمت كعادته وقالت له: أنها تسمع صوت من هدير الأمواج ينطق بكلمة واحدة ونطقت بالكلمة، ولكنه هنا بالكاد تمكن من صنع الابتسامة الباردة وقال: إنه يرغب هو الآخر أن سماع هدير البحر؛ وذلك في محاولة منه ليرى إن كان بإمكانه أن يكتشف كلمة.
وفي تلك اللحظة حاول أن ينصت جيدًا للبحر وهنا قال: إنه الأمواج تتلفظ بكلمة مختلفة تماماً عن تلك الكلمة التي قالتها، فسألته وما هي تلك الكلمة، وهنا هز لها برأسه وأجاب: مختلفة وكفى، ثم وقف وأشار أنه سوف يهاتف أحد العاملين من أجل إحضار السيارة التي سوف يستقلونها بعد الظهر في نزهتهم.
وهنا غفلة عيناها بالنوم لمدة تقارب على النصف الساعة، حتى وصل لها أحد العاملين مبتسماً كعادته في وجوه جميع السائحين وأخبرها أن صديقها انتحر، حيث قام بإطلاق رصاصة على رأسه للتو حينما كان في مقصورة الهاتف يجري مكالمة، وسرعان ما سقط على الأرض.
وبعد مرور فترة من الوقت رجعت إلى دولة إيطاليا، وأول ما حطت رجلها في منزل والدها استعادت حياتها معه، وقد أصبحت أكثر تفهماً، وفي تلك الأثناء اعتقدت أنها لن تبحث مرة أخرى عن أب جديد، وقد أشارت إلى أن الإنسان لا يملك في الواقع سوى أب واحد، ووالدها الوحيد الذي شعرت معه بالاطمئنان هو الذي تركته هناك في مقبرة تاهيتي، وربما ينتهي بها المطاف إلى الزواج من شاب من عمرها يدعي أنه يحبها.
وفي النهاية صرحت أنه ليس من الضروري أن يكون الإنسان شخص محبوب، بل المهم أن يكون إنسان محب للآخرين، فهي ممتنة لذلك الشخص، إذ أنه على الرغم من أنه كان زاهد في المال، ولكن كان محبوب من قبلها، وكانت طوال الوقت يشغل بالها تلك الكلمة التي سمعها ذلك الرجل من أمواج البحر والتي أشار إلى أنها مختلفة عن كلمتها، لدرجة أنه حينما سمعها لم يبقى أمامه سوى الانتحار.