قصة قصيدة - يبكي الغريب عليه ليس يعرفه

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “يبكي الغريب عليه ليس يعرفه”:

أمَّا عن هذه القصيدة “يَبْكِي الْغَرِيبُ عَلَيْـهِ لَيْسَ يَعْرِفُـهُ *** وَذُو قَرَابَتِـهِ فِي الْحَيِّ مَسْرُورُ” قيل لمعاوية بن أبي سفيان، فقال له أحد من حاشيته أنه يوجد رجل من قومك، أرَ أنه ذا فصاحة وعقل، فقد ذهبت عليه بفترة قصيرة من الزمن فقد عاصر أعاجيب في عصره.

فقال معاوية: آتوني به!

فلما أتى إلى الخليفة: من أنت؟.

فرد عليه: عبيد بن شرية.

فقال له: من أي قبيلة أتيت؟.

فرد عليه عبيد: من قومٍ لا بقية لهم!.

فقال له معاوية: كم عمرك؟.

فرد عليه: مئتان وعشرون سنة.

فقال له معاوية: هل السنين أثقلت عيك من الهموم؟

فقال له: بلى! يا أمير المؤمنين وأتعبتني حوادثها.

قال أمير المؤمنين: ماذا رأيت في السنين التي عشتها طوال عمرك؟، فرد عليه: رأيت فيها يومًا يتبع يومٍ وأيضاً رأيت فيها أقوام يمضون ولا يرجعون، فلولا أن المولود يولد لذهبت الأرض بمن عليها، ولولا أن الحي يموت لضاقت الأرض بمن فيها، فقال له معاوية: ماذا عندك من العلم؟، فرد عليه وقال: الكثير فأسئلني ما تشاء!، فقال له معاوية: أخبرني ما هو أنفع المال، وأي المال يدفع الخير باتجاه صاحبه بشكل أسرع؟، فقال: عين جارية في أرض خصبة تعطي صاحبها ولا تأخذ، فقال له أمير المؤمنين ثم ماذا؟ فرد عليه وقال، خيل تحمل خيل ويتبعها خيل.

فقال له أمير المؤمنين: فماذا تقول في الشاة الشقراء؟، فرد عليه وقال هذه ليست لك ياأمير المؤمنين وإنما هي لغيرك، فقال له أمير المؤمنين: لمن هي إذًا؟، فقال له: هي لمن رعاها بنفسه، ولم يجعل أمر رعايتها لخدمه.

فقال له أمير المؤمنين: ماذا تقول في الذهب والفضة؟، فرد عليه وقال: هما حجران يخرج منهما الصوت إذا ضربا، إن جعلتهما غايتك فنيا، وإن أبتعدت عنهما إزدادا.

قال له معاوية: أخبرني ما هو أعجب شيء رأيته في حياتك؟، فقال له: كنت عند قوم وبينما أنا في ديارهم مات أحدهم وكان يدعى جبلة بن الحويرث، فمشيت معهم في جنازته، وعندما أنزل في قبره، وبكته النساء، أتتني عبرة لم أستطع التوقف عن التفكير فيها، وكنت قد سمعتها من قبل، فقال له معاوية: قلها!، فأنشأ يقول:

يَا قَلْبُ إِنَّكَ مِنْ أَسْمَـاءَ مَغْرُورُ
فَاذْكُرْ وَهَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ تَذْكِيرُ

قَدْ بُحْتَ بِالْحُبِّ مَا تُخْفِيهِ مِنْ أَحَـدٍ
حَتَّىٰ جَرَتْ بِكَ إِطْلاقَاً مَحَاضِيرُ

تَبْغِي أُمُوراً فَمَا تَدْرِي أَعَاجِلَهَـا
أَدْنَىٰ لِرُشْدِكَ أَمْ مَا فِيهِ تَأْخِيرُ

فَاسْتَقْدِرِ اللَّهَ خَيْراً وَارْضَيَنَّ بِـهِ
فَبَيْنَمَا الْعُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ

وَبَيْنَمَا الْمَرْءُ فِي الأَحْيَاءِ مُغْتَبِطٌ
إِذْ صَارَ فِي الرَّمْسِ تَعْفُوهُ الأَعَاصِيرُ

يَبْكِي الْغَرِيبُ عَلَيْهِ لَيْسَ يَعْرِفُـهُ
وَذُو قَرَابَتِهِ فِي الْحَيِّ مَسْرُورُ

حَتَّىٰ كَأنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تَذَكُّرُهُ
وَالدَّهْرُ في أَيْنَمَا حَالٍ دَهَارِيرُ.؟!

عندما كنت أردد هذه الأبيات، امتلأت عيناي بالبكاء ولم أستطيع إيقاف دموعي، فأنتبه لي الرجل الذي بجانبي وقال لي: هل تعرف من قال هذه الأبيات، فقلت له: لا والله إني لا أعرفه، فقال لي: إنه الرجل الذي قد قمنا بدفنه، وأنت تبكيه وتقول شعره وأنت لاتعرفه، ثم قال لي هل ترى ذلك الرجل المسرور هنالك، فقلت له نعم، ولم هو مسرور؟، فقال لي : إنه من أقربائه وقد كان يكرهه لفصاحة لسانه واليوم هو مسرور لوفاته.

فقال له أمير المؤمنين: سل ماتريد فإني معطيه لك، فقال له: أريدك أن تعيد لي مامضى من عمري وأن تدفع عني أجلي إذا أتى، فقال له أمير المؤمنين: لا مقدرة لي على ذلك، فاطلب غيره، فقال له: يا أمير المؤمنين، ليست الدنيا لك لتعيد لي عمري الذي مضىى، ولا الآخرة لك لتدفع عني أجلي، وأما المال فقد أخذت منه كفايتي في شباب ولا أحتاجه في آخر العمر، فقال له أمير المؤمنين: لا بد أن تطلب مني شيئًا، فقال له: إذا أردت أعطني رغيفين من الخبز، آكل أحدهما الآن وآكل الآخر لاحقًا، وإني أنصحك بتقوى الله وبأن تدع عنك الدنيا فإنك لا محالة مفارقها وفي الآخرة سوف تلاقي ماقدّمت.

ولم يرضى أمير المؤمنين بأن يعطيه الخبز فقط، فأمر له بحمولة بعيره من القمح وغيره مما يحتاج وأمر خدمه بأن يضعوها على ناقته، ولكنه رفضها ولم يقبل بها وردها عليه، وقال له: سوف آخذها ولكن بشرط أن تأمر بمثلها لبقية المسلمين، وغير هذا لا حاجة لي بها، ثم قام بتوديعه وانصرف.

المصدر: كتاب " معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (شخصيته وعصره - الدولة السفيانية) " تأليف علي محمد الصلابيكتاب " معاوية بن أبي سفيان " تأليف عباس محمود العقادكتاب " في تاريخ الأدب العربي " إعداد شوقي ضيفكتاب " تطور الشعر العربي في العصر الحديث " تأليف حلمي القاعود


شارك المقالة: