مفهوم الشعر العباسي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر الشعر في خلافة بني عباس فن أدبي انتشر في هذه الفترة مُعبرًا عن مجريات الحياة حاملًا في طياته مشاعر أهل الشعر ومتحدث عن مكنون أنفسهم، وظهر في هذه الفترة فئتين من أهل الفئة متمسكة بالقديم وفئة محدثة تنظر إلى التطوير والتجديد، وقد سطع نجم العديد من أهل الشعر في هذه الفترة، وفي هذا المقال سنوضح مفهوم الشعر وصفاته في هذه الفترة الزمنية.

تعريف الشعر العباسي

يُعرف الشعر بأنه مفردات منظومة تتضمن أوزان معينة وهو تميز أدبي يعبر عن الحياة مبينًا مشاعر أهل الشعر، يُبنى على قافية ومشاعر وضرب الخيال وهو امتداد للشعر غير الحديث وكان له مكانة مرموقة في هذه الفترة ولاقى استحسان كبير من قبل ولاة الأمر الذين شجعوا عليه بشتى الطرق.

وازدهر هذا الإبداع في هذه الفترة وظهر علوم جديدة في مجاله مثل علم العروض الخليل الفراهيدي التي ساهمت في دعم عجلة التطور في هذا الكلام، كما حمل هذا الكلام أغراض متنوعة تعبر عن حال المجتمع حتى اصبح عبارة عن موسوعة تاريخية يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها في معرفة أحوال المجتمع في تلك الفترة.

خصائص الشعر العباسي

1- تحديث المعاني والمحتوى: اتجه العديد من أهل الشعر إلى تحديث في المحتوى والمعنى، وتجلى ذلك في أشعارهم حيث تعج بالتعابير والمعاني الخيالية بطريقة مبالغ فيها.

2- القصائد القصيرة: لم تظهر في هذه الفترة القصائد الممتدة التي تحمل في ثناياها أكثر من موضوع كسابقها من الشعر القديم، ويعود سبب ذلك إلى التقدم والتطور الحضاري حيث تغيرت أشكال الحياة وأصبح الناس منشغلين في أعمالهم فلا وقت لديهم لسماع القصائد الطويلة كما كان يحدث قديمًا في الأسواق ومجالس الأدب.

3- السمة الشعبية الطاغية على الأشعار: وتعتبر هذه السمة هي التي ميزت الكلام الموزون في هذا الزمن من غيره، حيث تناول الشعراء جميع حالات المجتمع فتحدثوا عن الطبيعة والشيخ والشباب والعادات وغيره الكثير.

أهم أسباب ازدهار الشعر في العصر العباسي

1- تعلقِ ولاة الأمر به وحثهم أهله على النظم والإنشاء وأجزل لهم العطايا من أجل الإبداع والاستمرار في ذلك.

2- العلم الواسع الذي كان يتمتع فيه الخلفاء العباسيين، وظهر منهم من يجيد نظم الكلام المقفى ومنهم من تميز بأشكال النثر المتعددة، وكانت مجالسهم تعج بِأهل الشعر والعلماء.

3- الانفتاح والازدهار الحضاري الذي شمل جوانب الحياة في هذه الفترة ونرى ذلك ببروز الغناء والموسيقى وانتشارها في البلاد، ونرى الحضارة واضحة في تطور الأدوات المستخدمة في حياتهم اليومية مثل آلات الموسيقى، وأدوات الأكل، وأدوات الزينة وغير ذلك.

4- الحرية التي أفسح الطريق لأهل الشعر إلى النظم في جميع الأغراض لكن ضمن الثوابت الإسلامية.

5- التطور الاقتصادي وذلك نتيجة حياة الرفاهية التي تنعم بها الخلفاء الأمويين الأمر الذي أثر على شعراء هذه الفترة، الذين ترعرعوا في كنف الخلفاء و أغدقوا عليهم الهبات، وحثهم على نظم الكلام المقفى الذي يخدم مصالحهم.

6- ظهور الحركة النقد التي دفعت بأهل الشعر إلى الاهتمام بمنتجاتهم الشعرية خوفًا من النقد والمحاسبة.

7- الاندماج بالشعوب الأخرى مما جعل أهل الشعر يتأثرون بهذه الشعوب والأخذ عنهم ما يتناسب مع الطبع العربي.

أغراض الشعر في العصر العباسي

1- الرثاء: تطور الرثاء في هذه الفترة عما كان معروفًا عن رثاء القدامى، وكان معبرًا عن أحساس الحزن جراء الفقد، ورغم ذلك ظهر في هذه الفترة في هذا النوع النفاق وخصوصًا عند رثاء الحكام وأهل السلطة وهو يشبه المدح كثيرًا، كما تطور هذا النوع وظهر فيه مراثي حديثة مثل رثاء المدن والحيوانات والطيور وغيره، ومن أبرزهم في هذا أبو تمام حيث أنشد:

كَذا فَليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ

فَلَيسَ لِعَينٍ لَم يَفِض ماؤُها عُذرُ

تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعدَ مُحَمَّدٍ

وَأَصبَحَ في شُغلٍ عَنِ السَفَرِ السَفرُ

وَما كانَ إِلّا مالَ مَن قَلَّ مالُهُ

وَذُخراً لِمَن أَمسى وَلَيسَ لَهُ ذُخرُ

وَما كانَ يَدري مُجتَدي جودِ كَفِّهِ

إِذا ما اِستَهَلَّت أَنَّهُ خُلِقَ العُسرُ

أَلا في سَبيلِ اللَهِ مَن عُطِّلَت لَهُ

فِجاجُ سَبيلِ اللَهِ وَاِنثَغَرَ الثَغرُ

فَتىً كُلَّما فاضَت عُيونُ قَبيلَةٍ

دَماً ضَحِكَت عَنهُ الأَحاديثُ وَالذِكرُ

2- الهجاء: ضد المدح وتغير في هذه الفترة عما كان عليه في السابق من التحقير والتشهير بأصله وحسبه أو ضعف مكانة الأهل أو القبيلة، واشتعل هجاء الشعراء لبعضهم فيحتقرون بعضهم البعض وطال الهجاء في هذه الفترة الحكام والخلفاء ومن أبرزهم في الهجاء ابن الرومي حيث أنشد:

يا عمرو سالتْ بك السيولُ

لأمّك الويل والهبولُ

وجهك يا عمرو فيه طولُ

وفي وجوه الكلاب طولُ

فأين منك الحياءُ قل لي

يا كلبُ والكلب لا يقولُ

والكلبُ من شأنه التعدّي

والكلبُ من شأنه الغلولُ

مقابح الكلب فيك طرّاً

يزولُ عنها ولا تزولُ

وفيه أشياءُ صالحاتٌ

حَماكَها الله والرسولُ

3- الغزل: أثر تقدم الحياة وتبدل حالها في هذه الفترة في الغزل، وأثرت حياة الرفاهية في هذا النوع من الشعر وبرز الصريح منه في هذه الفترة واختفى العفيف، ويعود سبب ذلك إلى اللهو والترف الذي عمَّ في المجتمع وما رافقه من انحلال خلقي ومن أبرز الشعراء في هذه الفترة بن الأحنف ومن أبياته:

إِلى اللَهُ أَشكو أَنَّ فَوزاً تَغَيَّرَت

وَحالَت عَنَ العَهدِ القَديمِ فَأَنهَجا

وَلَمّا رَأَت حِرصي عَلَيها تَحَرَّجَت

وَحُقَّ عَلى المَعشوقِ أَن يَتَحَرَّجا

وَقَد حَسِبَت ذَنباً عَلَيَّ تَزَوُّجي

فَقُلتُ كِلانا مُذنِبٌ قَد تَزَوَّجا

كِلانا عَلى ما كانَ مِن ذاكَ مُكرَهٌ

يُحاوِلُ أَمراً لَم يَجِد مِنهُ مَخرَجا

كِلانا مَشوقٌ أَنضَجَ الشَوقُ قَلبَهُ

يُعالِجُ جَمراً في الحَشا مُتَأَجِّجا

4 المدح: برز للحكام في هذا الوقت مجموعة من الشعراء حيث يقدمون لهم العطايا من أجل مدحهم لأن شعر المدح يحقق لهم غايتهم السياسية، ومن أبرز بني العباس الذين اهتموا بهذا الموضوع هارون الرشيد الذي اهتم به واستقطب في مجلسه الأدباء ومن أبرزهم في المديح أبو نواس ومن أبياته:

تَبارَكَ مَن ساسَ الأُمورَ بِعِلمِهِ

وَفَضَّلَ هاروناً عَلى الخُلَفاءِ

نَعيشُ بِخَيرٍ ما انطَوَينا عَلى التُقى

وَما ساسَ دُنيانا أَبو الأُمَناءِ

إِمامٌ يَخافُ اللَهَ حَتّى كَأَنَّهُ

يُؤَمَّلُ رُؤياهُ صَباحَ مَساءِ

أَشَمُّ طُوالُ الساعِدَينِ كَأَنَّما

يُناطُ نِجاداً سَيفِهِ بِلِواءِ

5- الوصف: ظهر الوصف مستقلًا في هذا العصر بعد أن تم ذكره في ثنايا القصيدة وبرز في هذه الوقت وصف البيئة والحرب وأيضًا الخمر وغيره، ومن أدباء الوصف في هذه الفترة أبو تمام في وصف البيئة:

إن الربيع أثر الزمانِ

لو كان ذا روح وذا جثمانِ

وأيضًا قول أبو نواس واصفًا الخمرة:

لا تَبكِ لَيلى وَلا تَطرَب إِلى هِندِ

وَاِشرَب عَلى الوَردِ مِن حَمراءَ كَالوَردِ

كَأساً إِذا اِنحَدَرَت في حَلقِ شارِبِها

أَجدَتهُ حُمرَتَها في العَينِ وَالخَدِّ

فَالخَمرُ ياقوتَةٌ وَالكَأسُ لُؤلُؤَةٌ

مِن كَفِّ جارِيَةٍ مَمشوقَةِ القَدِّ

تَسقيكَ مِن عَينِها خَمراً وَمِن يَدِها

خَمراً فَما لَكَ مِن سُكرَينِ مِن بُدِّ

لي نَشوَتانِ وَلِلنُدمانِ واحِدَةٌ

شَيءٌ خُصِصتُ بِهِ مِن بَينِهِم وَحدي

6- شعر الحكمة: شاع شعر الحكمة في هذه الفترة ونرى في هذا النوع من الشعر التأثر بالثقافات الأخرى كالفرس، وأفردت لهذا النوع المقطوعات الخاصة ومن أبرزهم بشار بن برد ومن أبياته:

إذا بلغَ الرأيُ المشورةَ فاستعن 

برأيِ نــصيحٍ أو نصيحةِ حازمِ 

ولا تجعلِ الشّورى عليك غضاضةً 

مكانُ الخوافي نافعٌ للقـــوادمِ 

ويقال: إنّه كان في ديوان صالح

 بن عبد القدوس ألف مثل للعجمِ

وكذلك من ذلك أبيات لعبد القدوس:

المَرءُ يَجمَعُ وَالزّمـــــانُ يُفـــرِّقُ 

وَيَظــــلُّ يــَرقّعُ وَالخُطُوبُ تُمَزِّقُ

 وَلأن يُعــــــادي عاقِـــــلاً خَيرٌ لَهُ 

مِن أَن يَكــــونَ لَــهُ صَديقٌ أَحمَقُ 

مِن أَن يَكــــونَ لَــهُ صَديقٌ أَحمَقُ

 إنّ الصّديقَ عَلى الصّديقِ مُصدَّقُ 

وَزِنِ الكَــــلامَ إذا نَطَقتَ فَإِنَـــــّما

 يُبْدي عُيوبَ ذَوي العُقُولِ الْمَنْطِقُ

وفي النهاية نستنتج أن الشعر في خلافة بني العباس انتشر وتطور ليعبر عن مجريات الحياة حاملًا في طياته مشاعر أهل الشعر ومتحدثًا عن خلجات أنفسهم، واهتم خلفاء بني العباس بشعر وأجْزلوا العطايا لأصحابه، وسطع نجم العديد من الشعراء لهذه الفترة مثل أبو نواس والأحنف وغيرهم الكثير.


شارك المقالة: