هل التوقيعات الأدبية فن إسلامي

اقرأ في هذا المقال


تفرّد الأدب المشرقي بتعدد الأنماط البيانية وتنوعها بعكس الآداب الأخرى من القديمة والحديثة حيث يتغلب على الآداب الأخرى من ناحية القدرة البيانية ودقتها وجمالها، ونستطيع القول أن أبرز الأنماط البيانية في الأدب العربي هو التوقيعات الأدبية وفي هذا المقال سنوضح هذه التوقيعات التي تعد إبداع إسلامي خالص.

تعريف التوقيعات الأدبية

تعتبر التوقيعات الأدبية إبداع أدبي له موقع مرموق في مسيرة الأدب المشرقي في النثر، ويتميز هذا الإبداع عن باقي الفنون الأدبية الأخرى مثل المقامات، والرسائل وغير ذلك من الفنون.

والتوقيعات من التوقيع في المعجم ويدل على التأثير، ويقال وقع الدَبَرَ بمعنى جروح قد أصابت ظهر الإبل في مدة الحمل، وأيضاً المُوقع له تأثير في الكتاب واتفق العلماء إن التوقيع مأخوذ من الوقوع، وذلك لأنه يوقع الشيء المدون في الخطاب.

المقصود بالتوقيعات أنه حديث مختصر دقيق وبليغ يدونه الخليفة أو ولاة الأمر في أخر الكتب المبعوثة لهم، والتي تتضمن رد مظلمة أو طلب أو توضيح أمر أو ما شابه ذلك.

والتوقيع الأدبي لا يشبه التوقيع المتداول حالياً ومنتشر بين العامة أي الإمضاء، وإنما يعد توضيح لرسائل والخطابات الواردة والتي تقدم لولي الأمر أو صاحب القرار لنظر في الطلب والتعليق عليه بتوقيع أدبي.

نشأة التوقيعات الأدبية

برزت التوقيعات الأدبية بعد ازدهار الكتابة وإنشاء الدواوين الحكومية، حيث كانت التوقيعات الأدبية غير واضحة المعالم في الجاهلية، حيث كانت نادرة الوجود لانتشار الأمية آنذاك، وقلة الناس التي تجيد  الكتابة في ذلك الوقت.

والتوقيعات إبداع بلاغي برز في زمن الخلفاء الراشدين عندما سيطر الإسلام وَازدادت البلاد الإسلامية، حيث كان من الضروري معرفة رأي الخلفاء وولاة الأمر في الرسائل والكتابات التي كانت ترد إليهم، سواء أكانت شكاوى أو مطالب، وساهم أدب التوقيعات في ظهور ديوان يلقى اهتمام ملحوظ من ولاة الأمر والخلفاء، ومن يقوم بالتوقيع في ديوان الإنشاء هو بمثابة القاضي.

أسرار الجمال الفني في التوقيعات

من أهم مواطن الجمال في التوقيعات هو تقليص الجمل والعبارات البلاغية، حيث تكون قليلة المفردات كثيرة المعاني، وقد تكون هذه عبارة عن كلمة فقط تكفي للحصول على الغرض المطلوب، وقد تكون جملة أو جملتين وندر أن تأتي بشكل جمل طويلة.

وتفرّد بالاختصار الذي لا يؤثر على الغرض والمعنى المطلوب كما أنه تفرد بالسجع الذي لا تصنع فيه، وإذا كان التوقيع قد جاء على هيئة عبارات طويلة نجدها مجزأة وتكون كل نهاية عبارة  فيها سجع مختلف عن العبارة التي بعدها، وَمثال على ذلك: ” كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت” يمكن التخلي عن السجع في التوقيعات الأدبية فهو ليس شرطاً في التوقيعات، ويمكن استبدال السجع بروعة النظم.

أهمية التوقيعات الأدبية وأثرها في السياسة والأدب    

كان لِتوقيعات الأدبية أثر في سياسة الدولة، سواء في الإسلام أو في العصور الأخرى المتتالية، وكان الخلفاء هم من يصدرون الأوامر وتوجيه ما تحمله الرسائل والخطابات من مطالب وشكاوي ومظالم، وكان ذلك يأتي على هيئة توقيع مختصر يحمل رأي الخليفة وقراراته.

وكانت التوقيعات الأدبية كنز ثمين حيث ساهم على تأسيس الدولة وبيان سياستها للناس، أما أثرها في الأدب فلقد ساهمت على إثراء الأدب واعتبرت التوقيعات بمثابة مدرسة تعلم الناس علم الكلام والقول، وتنمية القدرات اللغوية والبلاغية أيضاً، وتعلم فنون الرد والكتابة، وكذلك معرفة العلاقة التي كانت تربط بين الخلفاء وولاتهم.

التوقيعات في صدر الإسلام

ظهرت التوقيعات في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتطورت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخصوصاً في فترة الفتوحات الإسلامية فأصبح هناك حاجة ملحة لهذا الفن؛ كي تساعد في توضيح الظروف والسياسات الإسلامية في البلاد التي تم فتحها، وازدهرت التوقيعات في صدر الإسلام بعد التوجه إلى التعلم والكتابة، واستمرت التوقيعات بالتطور في عهد عثمان رضي الله عنه وكانت تحمل التوقيعات أوامر الخلفاء لِلولاة في جميع أرجاء البقاع الإسلامية.

أنواع التوقيعات في صدر الإسلام

1- التوقيعات السياسية: كانت تدون هذه التوقيعات على خطابات الخلفاء والولاة في الدولة، وكانت تحتوي على توعية وإرشاد أو تحذير وتهديد، ومن الأمثلة على هذا النوع من التوقيعات: ” نحن الزمان من رفعناه ارتفع ومن وضعناه اتضع” وكذلك ” نحن نملك الأجساد لا النيات، وَنحكم بالعدل لا بالرضى، ونفحص عن الأعمال لا عن الأسرار.”

2- التوقيعات الحربية: وكانت معظم التوقيعات على هيئة تهديد أو وعيد أو الحث على المواجهة ومثال على هذا النوع من التوقيعات: ” أذنُ الموت توهب لك الحياة”، ” يا هذا أسرفت وما أنصفت، ورجعت حتى أعجفَت، و ذلك حتى أملت، فَاستصغر ما فعلت تبلغ ما أملت.”

3- التوقيعات الإسلامية الزهدية: ونستطيع ذكر منها: ” بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على البلاد”، وكذلك ” الحياة ساعة فَاجعلها طاعة.”

4- توقيعات علاقة بالحياة الاجتماعية: وقد تشمل الحديث عن دين أو سوء الأوضاع الاقتصادية من فقر وغير ذلك، ومثال على ذلك: ” العتاب هدية الأحباب” وكذلك ” أرفق بهم فإنه لا يكون مع الرفق ما تكره ومع الخرف ما تحب.”

5- توقيعات هزلية فكاهية بروح ساخرة: ومثال على هذه التوقيعات: ” أدارُك في البصرة أم البصرة في دارك” وكذلك ” عجلٌ له خوار “ وأيضاً ” إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوك فقبلها.”

6- توقيعات تحمل شعور الحب والغرام: ومثال على ذلك: ” يا غائباً لا يغيب، أنت البعيد القريب، مهما تغب عن عيوني فَانت الحبيب القريب.”

نماذج على التوقيعات في صدر الإسلام   

1- توقيع أبو بكر الصديق رضي الله عنه رد فيه على كتاب خالد بن الوليد عندما سأله في أمر : ” أذنُ من الموت توهب لك الحياة.”

2- توقيع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رده على رسالة بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما استأذنه لإنشاء دار الإمارة في الكوفة: ” أبنِ ما يستر من الشمس ويكون المطر.”

3- توقيع عثمان بن عفان رضي الله عنه في رده على رسالة الحسين بن علي رضي الله  عنه في أمر: ” رأي الشيخ خير من مشهد الغلام.”

4- توقيع علي بن أبي طالب رد فيه على رسالة بن المنذر: ” بقية السيف أنمى عددا” وتوقيعه ابن صوحان يستفسر فيه عن شيء: “قيمة كل امرئ ما يحسن.”

وفي النهاية نستنتج أن التوقيعات ظهرت في صدر الإسلام وازدهرت نتيجة الفتوحات الإسلامية، وقد ظهر أنواع عديدة من التوقيعات التي خدمت سياسية الدولة الإسلامية وساعدت على توضيح الأسس والقواعد الإسلامية. 


شارك المقالة: