القصور في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


ميَّز الله تعالى الأندلس بجمال خلاب، حيث الخضرة وكثرة الأنهار فيها والتضاريس المتنوعة، فهي جنة الله على الأرض ميزها الله بهذا الجمال عن باقي البلدان، وزيادة على الجمال الرباني الذي وهبه الله للأندلس وازدادت بهاءً بالجمال المعماري الذي شهدته أرض الأندلس، وتفنن المعماريون ببناء قصور الملوك والأمراء، وكان لهذه القصور أثر في نفوس شعراء الأندلس، حيث دفعتهم لكتابة أجمل الأشعار في هذه القصور.

وصف قصور الملوك والأمراء في الشعر الأندلسي

تميّزت الأندلس بجمال طبيعتها وتضاريسها وتوفر المياه فيها، وعاش أهلها حياة الترف والرفاهية واللهو والسَّمر، ويعود سبب ذلك إلى الخير والغِلال الكثيرة التي تنتجها الطبيعة الأندلسية الغنية بخيراتها وفوائدها.

وهب الله سبحانه وتعالى الأندلس بطبيعة خلابة، وجمال يبهر العيون، ووهبها التنوع الحيواني وأنواع الفواكه، ووفير المياه والأنهار وتفنن العمران، وجمال اللباس والمظهر الخارجي للإنسان وكذلك التفنن في المهنة والأعمال، وهذا شاعر الأندلس يتناول مظاهر السحر في الأندلس من خلال شعره فيقول:

إن للجنة بالأندلس

مجتلى حسن، وريا نفس

فسنا صبحتها من شنب

ودجى ظلمتها من لعس

فإذا ما هبت الريح صبّا

صحت وا شوقي إلى الأندلس!

وزيادة على الجمال الطبيعي الذي حبا الله به بلاد الأندلس ازدادت جمالًا بالفن المعماري والبناء الذي تميز فيه أهل الأندلس، فشيدوا أجمل القصور والدور الشاهقة.

وتميزت الأندلس بتشييد القصور الفارهة المزينة بأروع الزخارف والنقوش وعرف عنهم تأثرهم الشديد بالمعمار المشرقي، وكذلك تأثروا بالعمارة اليونانية والإسبانية كذلك، وتنافس المعمارين فيما بينهم في بناء هذه القصور وإتقان صنعها وزخرفتها ونقشها بأجمل الرسوم التي تزيد من جمالها.

وتأثر الشاعر الأندلسي بهذه القصور الشاهقة بشكل كبير، وكان هذا التأثر واضح في قصائدهم الشعرية، فتوقفوا عند هذا الجمال والحسن والبراعة ورسموه بأجمل الصور الفنية في أشعارهم، وتميزت مدينة الزهراء التي شيدها عبد الرحمن الناصر خلال فترة ولايته بجمالها وتفنن المعماريون الذين أنشأوها.

وحذا أمراء الممالك حذو عبد الرحمن الناصر، وبرعوا في بناء القصور والمنازل الشاهقة، ودفع ذلك بشعرائهم إلى الاهتمام بوصف هذه القصور الرائعة، ويقفوا أمام عظمتها مذهولين وكذلك أمام قبابها وتنوع زخارفها والنقوش والرسوم داخلها، ومن هؤلاء الشعراء الشاعر الأندلسي ابن زيدون، الذي كتب إلى المعتمد بن عباد، ويذكر مجالس اللهو والترف في هذه القصور ويقول:

فز بالنجاح وأحرز الإقبال

وحز المنى، وتنجز الآمالا

وليهنك التأييد والظفر اللذا

صدقاك في السمة العليَّة فالا

يا أيها الملك الذي لولاه لم

تجد العقول الناشدات كمالا

أما الثريا فالثريا نصبةً

وإفادة، وإنافة وجمالا

قد شاقها الإغباب حتى إنها

لو تستطيع سرت إليك خيالا

وفي أبيات أخرى يصف ابن زيدون قصر المبارك ويقول فيه:

وتأمل القصر المبارك وجنة

قد وسطت فيها الثريا خالا

وأدر هناك من المدام كؤوسها

وأتمها، وأشفها جريالا

قصر يقر العين منه مصنع

بهج الجوانب لو مشى لاختالا

لا زلت تفترش السرور حدائقًا

فيه، وتلتحف النعيم ظلالا

وفي الأبيات السابقة يظهر إعجاب وانبهار الشاعر بقصر المبارك، بكل ما يتضمنه من الراحة النفسية وفرح في حدائقه الغنّاء التي تحتوي على أشجار وأزهار متنوعة زادت هذا القصر جمالًا على جماله، وهذا الشاعر عبد الجليل بن وهبون مفتون بجمال قصر الزاهي الذي أنشأه المعتمد بن عباد يرسم لنا أجمل الصور في أبيات شعره ويقول:

وللزاهي الكَمَالُ سنًا وحسنًا

كما وسع الجلالة والكمالُ

لا يحاط بشكله عرضًا وطُولاً

ولكن لا يحاط به جمالا

وقور مثل ركن الطود ثبت

ومختال من الحسن اختيالا

فلو أدنوا حرام السحر منه

لا ضحى بعبد السحر حالا

فقد كاد اللبيب يهال منه

ويحسب أن بحر الجو سالا

فما أبقي شهابًا لم يصوب

ولا بدرًا ينير، ولا هلالا

وانتقل الشاعر ابن وهبون من الوصف الظاهري للقصر إلى وصف محتواه من الداخل وما يحتويه من ملامح الجمال المذّهب حيث يقول:

وللبهو البهي سماء نور

يمثل خلقها شكلًا، وحالا

مزخرفة كأن الوشي ألقي

عليها من طرائفه خيالا

وما خلت الهواء يكون روضًا

ولا شمسًا يكون هناك آلا

ومن أجمل الأشعار التي نُظِمت في جمال القصور ما نظمه أبو محمد المصري والذي وصف قصر طليطلة حيث يقول:

قصر يقصر عن مداه الفرقد

عذبت مصادره، وطاب المورد

نشر الصباح عليه توب مكارم

فعليه ألوية السعادة تعقد

وكأنما الملأمون في أرجائه

بدر تمام قابلته اسعد

وكأنما الأقداح في راحاته

در جمان ذاب فيه العسجد

وكما هو معروف عن ملوك وحكام الأندلس أنهم أدخلوا الأنهار الجارية إلى قصورهم لتزيدها جمالًا وبهاءً، وصنعوا منها أجمل البِرك والنوافير المحاطة بالتماثيل الرائعة التي فتنت الشعراء وتفننوا في وصفها فيقول في ذلك ابن شخيص:

كأنما أُفرغت ألواح مرمرِه

من ماء عصراءَ لم يجمد ولم يسل

أو قدَّ من صفحات الجوِّ يوم صفا

ورقَّ من أجل كون الشمس في الحمل

يُزري برقةِ أبشار الخدود جرى

ماءُ الحياء بها في ساعة الخجل

وهذا ابن هديل ينظم في مدينة الزاهرء أجمل الأشعار بجمالها وجمال قصورها الشاهقة فيقول:

قصورٌ إذا قامت ترى كُلّ قائم

على الأرض يستخذي لها ثم يخشع

كانّ خطيبًا مسرفًا من سموكها

وشمٌ الرُّبي من تحتها تتسمع

ترى نورها من كُلّ باب كأنما

سنا الشمس من أبوابها يتقطع

ومن واقفاتٍ فوقهن أهلةٌ

حنايا هي التيجان أوهي أبدعُ

ورثى الشاعر الأندلسي البيئة والقصور التي كان مفتونًا بها وبجمالها، وصوّر لنا حالها بعد تعرضها للنكبات ونظموا أجمل الأشعار، وتميز شعراء الأندلس في ذلك وتفردوا به، وكان شعرهم الذي رثوا فيها مدنهم وأبنيتها وقصورها يعج بالعواطف وشِدّة التأثر بما آلت إليه هذه المدن، وهذا عباس بن فرناس يرثي مدينة طليطلة مصورًا ما حلَّ بها من دمار ويقول:

أضحت طليطلة معظلة من أهلها في قبضة الصقر

تركت بلا أهلٍ تؤهلها مهجورة الأكناف كالقبر

وما كان يُبقي الله قنطرةً أضحت سبيل كتائب الكفر

وهذا شاعرٌ آخر يرثي مدينة الزهراء ويصور لنا في طيات قصائده الخراب والدمار الذي حلَّ بها حيث يقول:

ديار بأكناف الملاعب تلمع وما إن بها من ساكن وهي بلقع

ينوح عليها الطير من كل جانب فيصمت أحيانًا وحينا يرجع

فخاطبت منها طائرا متغردا له شجن في القلب وهو مروع

وفي النهاية نستنتج أن الله خصّ الأندلس بجمال وخضرة دائمة، وزيادةً على هذا الجمال الذي وهبه الله للأندلس ازدادت بجمال قصورها ودورها الشامخة، التي ألهمت الشعراء ودفعتهم إلى رسمها بأروع الأشعار.

المصدر: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، تأليف إحسان عباس 2008كتاب المائيات في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف 2016الأخلاق الأسلاميه في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف د. يوسف شحدة الكحلوت 2010صورة الممدوح في الشعر الأندلسي عصر الطوائف 2015مختارات من الشعر الأندلسي 2008


شارك المقالة: