وقفات مع سورة الجاثية

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿حمۤ (١) تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ (٢) إِنَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ (٣) وَفِی خَلۡقِكُمۡ وَمَا یَبُثُّ مِن دَاۤبَّةٍ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ (٤) وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن رِّزۡقࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ) صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

الجاثية: لأنّها ذكرت حال كل الأمم التي تجثو يوم القيامة بين يدي الله تعالى، خائفة مشفقة.

الشريعة: لقول الله تعالى في كتابه العزيز : ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِیعَةࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ صدق الله العظيم.

الدهر: وذلك لقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا۟ مَا هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا یُهۡلِكُنَاۤ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ﴾ صدق الله العظيم، فلم يأتي ذكر الدهر في ذوات (حم ) إلّا فيها.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة الكريمة بذكر من خالف وأعرض عن منهج الله سبحانه وتعالى بسبب الكبر حيث قال تعالى: (﴿تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَیۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ یُؤۡمِنُونَ (٦) وَیۡلࣱ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِیمࣲ (٧) یَسۡمَعُ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرࣰا كَأَن لَّمۡ یَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ (٨)﴾ صدق الله العظيم، وختمت بذكر الكبرياء، وأنّه صفة لا تنبغي إلّا لله تعالى، فقد جاء في الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار، قال تعالى: (وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِیَاۤءُ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ) صدق الله العظيم.

وذلك لضبط عقيدة وعلاقة المؤمن بالله سبحانه وتعالى.

المحور الرئيسي للسورة:

إنَّ المحور الرئيسي في هذه السورة هو التحذير من صفة التكبر في الأرض واتباع الهوى.


مواضيع السورة المباركة:

  • عرض بعض آيات الله في الكون، ونعم الله على الخلق، قال تعالى: (إِنَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ (٣) وَفِی خَلۡقِكُمۡ وَمَا یَبُثُّ مِن دَاۤبَّةٍ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ) صدق الله العظيم، قال تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ صدق الله العظيم.
  • عرض مصير كل مستكبر عن آيات الله تعالى، قال تعالى: ( وَیۡلࣱ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِیمࣲ (٧) یَسۡمَعُ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرࣰا كَأَن لَّمۡ یَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ (٨)) صدق الله العظيم.
  • خطورة اتباع الهوى قال تعالى: ﴿أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةࣰ فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ صدق الله العظيم.
  • بيان بعض شكوك الملحدين والدهريين، وبناء اعتقادهم على الظن والشك، قال تعالى ﴿وَقَالُوا۟ مَا هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا یُهۡلِكُنَاۤ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ﴾ صدق الله العظيم.

فوائد ولطائف حول السورة المباركة:

  • التأمل في آيات الله تعالى، والخلق والرزق، من باب زيادة يقين المؤمن بربه، قال تعالى: ﴿وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن رِّزۡقࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ﴾ صدق الله العظيم.
  • قد تجد أشخاص يحفظون بعض العلوم الشرعية، وهو غير مؤمن بها، فلا تستغرب، فقد ذكر الله صنف منهم، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا شَیۡـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ صدق الله العظيم.
  • قال تعالى: ﴿ويل لكل أفاك أثيم﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: الأفاك الكذاب، والأثيم المبالغ في اقتراف الآثام.
  • قال تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یَغۡفِرُوا۟ لِلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ أَیَّامَ ٱللَّهِ لِیَجۡزِیَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾ صدق الله العظيم، ذكر الواحدي والقشيري وغيرهما عن ابن عباس أن الآية نزلت في عمر مع عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق، فإنّهم نزلوا على بئر يقال لها “المريسيع” فأرسل عبد الله غلامه ليستقي، وأبطأ عليه فقال: ما حبسك؟ قال: غلام عمر بن الخطاب قعد على فم البئر، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي ﷺ وقرب أبي بكر، وملأ لمولاه. فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلّا كما قيل: سمّن كلبك يأكلك. فبلغ عمر رضي الله عنه قوله، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله، فأنزل الله هذه الآية.

المصدر: زاد المسير — ابن الجوزيجامع البيان — ابن جرير الطبريفتح البيان — صديق حسن خانروح المعاني — الآلوسيتفسير القرآن العظيم — ابن كثير


شارك المقالة: