اقرأ في هذا المقال
التمايز الاجتماعي للثقافة:
عملية دراسة الثّقافة، مهما تعدد تعريفها، يبرز أن للثقافة حقيقة في تفردها، فالثقافات وفق هذا التصور تتنوع بتنوع الأمم، والجماعات ذات الأعراق المتعددة، ذلك كجماعات الشركات والنوادي المتكافلة للجماعات، وسائر التجمعات الأخرى بين الناس، بطريقة مختلفة ولو قليلاً عن غيرها، وتستخدم رموزاً متباينة إلى حد ما.
ومن أبرز الأمثلة على التمايز الاجتماعي للثقافة، أن الثّقافة الدولية تختلف من دولة إلى أخرى، كذلك تختلف ثقافة الشركات من شركة إلى أخرى، لكن وبالرغم من أن للأمم و الجماعات والقبائل والأجناس، أنظمة متميزة من القيم، والعادات والمعتقدات، فإنه من الممكن حصر قناعاتهم حول الحياة، في عدد قليل من التحيزات الثقافية، والتوصيف الاجتماعي لمفهوم أو ظاهرة اجتماعية هو الذي يكسبها طابعها الثقافي المميز.
لكن الاختلاف هذا أيضاً قد يعزلها عن الأصل الوظيفي لها، ذلك الذي كانت تحتمي به، ولإن كان لمفهومي ثقافة وهوية ثقافية مصير مترابط إلى حد كبير، فإنه لا يمكن المطابقة بينهما دون قيد أو شرط، إذ يمكن للثقافة عند الاقتضاء، أن تكون من دون وعي هوياتي، في حين يمكن للاستراتيجيات الهوياتية أن تعالِج، بل وأن تعدّل ثقافة ما، بحيث لا يبقى لها الشيء الكثير مما تشترك فيه مع ما كانت عليه قبل، إن الثّقافة تخضع إلى حد كبير، لصيرورات لا واعية، أما الهوية فتحيل على معيار انتماء واع.
أمثلة على التمايز الاجتماعي للثقافة:
من أهم الأمثلة على فكرة التمايز الاجتماعي للثقافة، فكرة الفن على أنها ليست مجرد فكرة اختراع حديث، بل هي اختراع غربي أيضاً، فالمجتمعات خارج الغرب لا تعترف بالفن، ومن ثم فهي لا تملك بالمعنى الدقيق فناً، فالمجتمعات الغربية المعاصرة هي فقط بالتالي الّتي لديها فن لأن هذه المجتمعات وحدها هي الّتي تستخدم فئة الفن نفسه.
وفي زماننا هذا عندما نقوم بعرض أشياء ثقافية من صناعة مجتمع غير غربي، كالرسومات أو الحرف اليدوية أو المطرزات، في المتاحف الغربية على أنها فن، فإن هذه الأغراض قد مرت بعملية إعادة تفسير منظمة بالنسبة إلى قيمتها ووظيفتها، بشكل مغاير لطريقة فهمها في سياقها الاجتماعي الأصلي، حيث أن هذه الأشياء في الأصل كان ينظر إليها من قيل الشعب الذي صنعها واستخدمها كقطع ذات مغزى ديني أو احتفالي.
إن كافة العناصر التي يسودها الاختلافات الكبيرة والشاسعة بين البشر، في المعتقدات والقيم وفي العادات والأعراف، وفي الزمان والمكان على حد سواء، لا تحمل أي أهمية في عملية تحديد طبيعة الإنسان، وما هي إلا تراكمات مؤقتة، بل تشويهات تتنامى وتغطي وتُبهم الطبيعة الحقيقية للإنسان، أي الجوانب الثابتة والعامة والشاملة فيه.
بالرغم من ذلك، لا توجد ثقافات منعزلة عن العلاقات المجتمعية الّتي تكون دائماً روابط ذات طابع غير متساوي هكذا إذاً يجب منذ البدء، العمل على توافق عملية ترتيب فعلي بين الثقافات العاليه والدنيئة، ينتج عن التراتب الاجتماعي، وإذا كانت كل الثقافات جديرة بالعناية من قبل الباحث، فهذا لا يعني أنها مُعترف لها كلها بالتساوي في القيمة الاجتماعية.
لكن ما دام أنه لا توجد ثقافة حقيقية إلا أن تكون من صنع أفراد أو جماعات يحتلون مواقع غير متساوية في الحقل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فإن ثقافات مختلف الجماعات تلقى نفسها، إلى حد كبير أو صغير، في موقع قوة أو ضعف في علاقة بعضها ببعض، ولكن حتى الأضعف لا يكون أبداً معدوم القدرة، على التأثير ضمن اللعبة الثقافية. إن الحديث عن ثقافة مهيمنة وأخرى مهيمن عليها هي ضرب من المجاز إذ إن ما يوجد واقعاً، هي مجموعة جماعات اجتماعية تربط بينها علاقات هيمنة وتبعية.
التأثير الثقافي على المجتمعات:
هناك تأثير عظيم ثقافي فعال لا يمكن إغفاله عند التعامل مع أي تنظيم اجتماعي بشري، وعلى سبيل المثال: هناك فرز للأشخاص يقوم على إجراء عملية تقييم ومعايير ثقافية، بحيث أن هؤلاء الأشخاص يحتلون مراكز معينة في الجماعات المتمايزة، والّذين يحتلون أوضاعهم في البناء الاجتماعي إنما يفرض عليهم القيام بأدوار مرسومة في مواقف التفاعل المتنوعة الّتي يشاركون فيها مع غيرهم من أعضاء نفس الجماعة أو الجماعات الأخرى، هؤلاء الأشخاص إنما تحكمهم معايير محددة هي الّتي تعطي البناء الاجتماعي الّذي ينتظمهم جميعاً نوعاً من الثبات والنظام.
بدون وجود هذه المعايير يصبح التفاعل بين كافة الأشخاص أمراً ما بين درجة عالية من الصعوبة، وبدونها أيضاً يواجه الأشخاص صعوبات كثيرة فيما بتعلق بعملية اتخاذ القرارات المناسبة في المواقف المختلفة، وذلك لأن تلك المعايير تعتبر بمثابة نوع من الضمان والتحديد الثقافي لتوقعاتنا في المواقف المتنوعة، خاصة المواقف الجديدة الّتي تفتقر إلى الشبيه أو المماثل لخبراتنا.