النماذج الإحصائية والرياضية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


النماذج الإحصائية والرياضية في علم الاجتماع:

يتزايد الاهتمام بالإحصاء في العلوم الاجتماعية، وتعد الأساليب الإحصائية مجرد وسائل أو أدوات أو تكنيكات للبحث، ويتضمن استخدام علماء الاجتماع للأساليب الإحصائية أنهم يقبلون الاستعانة ببعض النماذج الرياضية في وصف وتحليل بعض جوانب الحياة الاجتماعية، وينظر الباحثون إلى الأساليب الإحصائية في البحث الفسيولوجي على أن لها طابع حيادي، بمعنى أنها تسهم في الكشف عن الواقع الموضوعي بدون تشويه أو انحياز.

والواقع أنه لا يمكن تطبيق أي أسلوب إحصائي دون قيامه على أساس فروض معينة، أو لمواجهة ظروف محددة وهذا يعني أن علم الاجتماع يقبل توضيح بعض الظواهر والعلاقات الاجتماعية في ضوء بعض النماذج الرياضية، ولو بصفة مؤقتة ولما كانت أغلب الأساليب الإحصائية التي يستخدمها الباحثون في علم الاجتماع تتصل بنظرية الاحتمالات، فإن هذا يعني أن هؤلاء الباحثين يتبنون نموذجاً احتمالياً في دراسة المجتمع.

وقد أصبح الأخذ بالأساليب الإحصائية أمراً شائعاً في علم الاجتماع بعد الحرب العالمية الثانية.

الأساليب الإحصائية المستخدمة في علم الاجتماع:

1- أن يلاحظ الباحث أن النتائج التي يتوصل إليها تسير وفقاً لشكل أو نموذج معين، فيحاول البحث عن نموذج رياضي يلائم ذلك الشكل، ثم يقوم عقب اختياره بتطبيقه على المادة التي يجمعها من الواقع الإمبيريقي فإذا ما ثبت نجاح هذا النموذج فإن الباحث يعتمد عليه لتوقع الملاحظات التالية لنفس الظواهر أو المتغيرات.

2- كذلك فإن النموذج الرياضي قد يوحي للباحث بنماذج معينة من المادة أو بتوقع علاقات لم يعالجها من قبل.

ويمكن أن نعطي مثلاً على استخدام النماذج الرياضية في الدراسات الاجتماعية، بدراسة روبرت ميلز، للتفاعل داخل الجماعات المتغيرة، فقد حاول هذا الباحث أن يسجل كل فعل موجه من وإلى أي عضو داخل الجماعة النقاشية، التي أجرى تجارية عليها، ثم حاول بعد ذلك ترتيب المشتركين على حسب عدد الأفعال الموجهة إلى كل منهم من جانب الآخرين، وقد لاحظ بيلز، في بعض الجماعات أن حوالي خمس وأربعين بالمئة من كل الأفعال الاجتماعية التي وقعت داخلها، كانت موجهة لشخص واحد كان ترتيبه الأول، وأن ثمانية عشر بالمئة منها كانت موجهة إلى الشخص الذي احتل الترتيب الثاني، وأن حوالي ستة بالمئة وجهت إلى الشخص الذي احتل الترتيب الأخير.

وكان متوسط كل جماعة من هذه الجماعات ستة أفراد، ولما كان هذا التوزيع يتفق إلى حد كبير مع المنحنيات الهارمونية، فقد حاول بيلز، أن يطبق هذا النموذج الرياضي على نمط التفاعل داخل الجماعات التي تتراوح بين ثلاثة إلى ثمانية أعضاء.

واستطاع أن يصل إلى نتيجة معينة مفادها أنه بغض النظر عن حجم الجماعة بحد أقصى ثمانية أفراد، فإنه عادة ما يسود نفس النموذج السابق عرضه والذي يتفق مع المنحنى الهارموني.

ولكن الأمر ليس بهذه السهولة في كل الأحوال فقد تكون المادة التي يجمعها الباحث على درجة عالية من التعقيد، مما يتعذر معه تطبيق أحد النماذج الرياضية عليها، ولعل هذا هو ما أدى ببعض الباحثين الاجتماعين إلى صياغة نماذج رياضية جديدة، بهدف معالجة نماذج العلاقات القائمة أو الملاحظة.

ويقدم لنا هربرت سيمون، في كتابه بعنوان نماذج الإنسان مجموعة من التطبيقات الناجحة للنماذج الرياضية في مجال العلوم الاجتماعية، وأشار هذا المفكر إلى أن نظرية الفئات تصلح في وصف ظواهر السلطة والقوة السياسية، ونظرية الفئات هي نظرية رياضية لا تعالج أرقاماً ولكنها تعالج فئات أو مجاميع أو أشياء وتعد هذه النظرية أساساً لنظرية المباراة في العلوم الاجتماعية، وهي النظرية التي لا تهتم بحساب المكسب والخسارة والناجمة عن قرارات معينة.

كذلك أوضح سيمون إمكان ترجمة القضايا التي توصل إليها جورج هومانز، في مجال وصف التفاعل داخل الجماعات الصغيرة إلى معادلات رياضية، وأن هناك بعض العلماء الذين حاولوا فهم المجتمع في ضوء معادلات رياضية، ومن أبرز تلك المحاولات دراسة ستيوارت دود، بعنوان أبعاد المجتمع حيث حاول استحداث علم اجتماع رياضي.

والواقع أن النماذج الرياضية شأنها شأن أي نماذج علمية أخرى، مارست بعض التأثير على العديد من الدراسات السوسيولوجية، فقد اهتم بعض العلماء بتلك المشكلات التي يمكن تفسيرها في ضوء نماذج رياضية معينة، وإذا أدركنا أن الأساليب الإحصائية ليست سوى أداة للبحث، فإنه يجب أن نتجنب الارتباط الفلسفي بأي نوع معين من النماذج الرياضية مثل النموذج الاحتمالي أو النموذج الحتمي أو النموذج التحليلي أو الفئوي.


شارك المقالة: