قال الطبري: “لما جاء الفضل بن يحيى من خراسان خرج الراشد إلى بستان أبي جعفر ليستقبله، فالتقاه بنو هاشم وأهل القوادين والأدباء والنبلاء، فجعل بلغ الرجل ألف وخمسمائة ألف وكان الرشيد يحب تقليد جعفر الخاتم وكان على الفضل، ورغباً في عدم إعطاء قراره صفة العزلة، وجد الصيغة المناسبة لإعلان هذا الحدث وأرسلها إلى يحيى البرماكي”.
الوالي الفضل بن يحيى البرمكي:
الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك بن جماميش بن بشتاسيف البرمكي، كان الفضل من وزراء هارون الرشيد ويحمل ختم السلطة وكان أيضاً أحد قادة الدولة العباسية، في عام 176 هجري نال الفضل بن يحيى منصب والي للعباسيين من النهر إلى بلاد الأتراك، ذلك عند ظهور يحيى بن عبد الله من نسل علي بن أبي طالب في الدليم.
كثر الأنصار واشتدت أشواكه فأخرج الرشيد الفضل بن يحيى ومعه 50 ألف من جنوده واستطاع الفضل أن يُخمد الثورة بدون إراقة الدماء، بعد أن وافق يحيى على السلام وأمنه الراشد فسلّم يحيى نفسه، تعددت الروايات في نهاية يحيى البرامكي، فمنهم من روى أنّ الراشد سجنه حتى وفاته والآخرين رووا أنّه محبوس بإشراف البرامكة.
لكن الرشيد فور سجن يحيى استقبل ابنه الفضل في بغداد وكرمه بشرف عظيم، تميز الفضل بأخلاقه الجادة الصارمة التي تمنعه من شرب المشروبات الكحولية، في عام 177 هجري عين الفضل والي على خراسان، فلما سار عليها أزال تاريخ الظلم وبنى ساحات ومساجد وأحرق دفاتر البغايا وزاد العسكر والقادة والزائرين، كما وصل الكتّاب فتحسن سلوكه وأمر بهدم النبهار لكنه لم يستطع إحكام بنائه وهدم قطعة منه وبنا مسجد فيه.
في خراسان قام الفضل بتجنيد جيش من الفرس وسماهم بالعباسيين وعددهم 500 ألف رجل، أرسل 20 ألف منهم إلى بغداد وبقي الباقون في خراسان، ولما اختلف أهل التقان فتح الفضل بلادهم وسار صاحب الأتراك بجيش كبير والتقى بجيش الفضل ودارت الحرب بينهم، كلف الفضل إبراهيم بن جبريل بغزو بلد كابول ففتحها ونهب غنائم كثيرة.
قاد الفضل حملة ضد مملكة عشروسنا وامتنعت المملكة عن التصويت، لكن الفضل لم ينتصر في حروبه في أرمينيا، وذكر اليعقوبي: “لما صار الراشد الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي حاكماً أرمنياً، سار إليها بنفسه ولما جاء توجه نحو الباب والأبواب واقتحم قلعة حمزة، هزمه قوم حمزة وانتصر ولم يلوي شيئاً حتى جاء إلى العراق وعين عمر بن أيوب الكناني خليفة على البلاد “.
كان الرشيد قد جعل ابنه محمد في حجر الفضل بن يحيى والخليفة المأمون بحجر جعفر، فخصص كل واحد منهم لمن في غرفته فكان للفضل دور بارز في مبايعة محمد بن الراشد، إذ عندما أتى خراسان قسّم أهلها بالمال وأعطى الجنود تسلسلات هدايا، ثم أظهر مبايعة محمد بن راشد وبايع الناس ودعاه السكرتير، عندما غادر الفضل خراسان متوجهاً إلى العراق نهاية عام 179 هجري، استقبله الرشيد ترحيب حار.