كان مصعب بن الزبير من الفرسان الشجعان ووسيم جداً، كما أنّه كان كريم وسخي فبسبب سخائه لُقّب “آنية النحل”، فكان يقوم كل عام بإعطاء أهل العراق عطاءان، الأول في الشتاء والثاني في الصيف، فأحبه الناس كثيراً.
الوالي مصعب بن الزبير:
مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي، كنيته أبو عبد الله أمير العراقَين، كان من التابعين ومن الولاة بصدر الإسلام، والده حواريّ رسول الله، الزبير بن العوام، والدة مصعب بن الزبير هي الرباب بنت أُنيف من قبيلة كلب، له العديد من الإخوة، منهم حمزة والرباب وله من والده “عبد الله بن الزبير وهو من رعاه وعبيدة وعروة عمرو”.
قام مصعب بالزواج من سكينة بنت الحسين، فأنجبت الرباب، بعد وفاته تقدّم لها عبد الملك بن مروان للزواج فقالت: “والله لا يتزوجني بعده قاتله أبداً”، كما تزوج مصعب بن الزبير فاطمة بنت عبد الله بن السائب وعائشة بنت طلحة، فأنجب منهما عيسى الكبير وقد مات مع والده مقتولاً، كذلك عكاشة وحمزة وجعفر وسعد وغيرهم.
قام أخوه عبد الله باستعماله والياً البصرة عام 67 هجري وطلب منه أن يحارب المختار الذي استفحل أمره بعد أن أخذ الكوفة وأصبح خطراً على مركزه في العراق، قام مصعب بمحاربة جيش المختار ابن أبي عبيد الثقفي في مكان بجانب الكوفة وفاز عليه، بعد ذلك ذهب إلى الكوفة وبقي المختار يقاتل من بقي معه إلى أن قُتل وجاء رأسه ووضع أمام مصعب.
لمّا قضى مصعب على المختار، وجه الولاة على الأقاليم التي تُنسب للعراق، فسكن بالكوفة حتى يضبطها ويعيد النظام إليها بعد الفوضى والتمرد التي انطلقت من حركة التوابين وغيرها.
قام عبد الله بن الزبير بإزالة مصعب عن البصرة وقام بوضع ولده حمزة بدلاً منه، إلّا أنّ ذلك كان لفترة قصيرة لأنّ حمزة لم يظهر أي مهارة في الإدارة، فقام بإعادة أخاه مصعب إليها، رجع مصعب والياً على العراق وأصبح مسؤول على الكوفة والبصرة معاً باسم عبد الله بن الزبير، فأصبح أمير العراقَين ولم يزل كذلك حتى سار إليه عبد الملك فقتله.
في عام 72 هجري قام عبد الملك بن مروان بأخذ بجيشه إلى العراق لعراك مصعب بن الزبير، فعلم مصعب بمسيرة عبد الملك، فقام بالخروج حتى يلقاه وطلب من أهل البصرة أن يأتوا معه لقتال أهل الشام، فرفض أهل البصرة بحجة أنّ الخوارج الحرورية يرأسها قطري بن الفجاءة، كان هذا من العوامل التي ساهمت في هزيمة مصعب.
خرج مصعب بن الزبير ومن معه حتى وصلوا لدير الجاثليق، فقام عبد الملك بإرسال رجل إلى مصعب يتفقان على أمر الخلافة التي أرادها عبد الملك بم مروان بالشورى، فرفض مصعب ودارت الحرب بينهما، عندما تواجه الجيشان قام أهل العراق بالهروب وخُذل مصعباً ومنهم ولم يبقى معه إلّا إبراهيم بن الأشتر وعدد قليل من الرجال.
فجاء محمد بن مروان إلى مصعب وأعطاه الأمان، إلّا أنّ مصعب بن الزبير رفض وقال: “إنّ مثلي لا ينصرف عن هذا الموضع إلا غالباً أو مغلوباً”، بقي مصعب يقاتل حتى رمى زائدة بن قدامة الثقفي رمح قصير عليه فقتله واخترق رأسه.
جاء رأس مصعب بن الزبير إلى عبد الملك ووضع بين يديه، فبكى وقال: “والله ما كنت أقدر أن أصبر عليه ساعة واحدة من حبي له، حتى دخل السيف بيننا”، ثمّ طلب أن يُدفن هو وابنه عيسى وإبراهيم بن الأشتر في قبور بمسكن قريب من الكوفة.