تحرير قلعة صفد وكيف انتصر المماليك على الصليبين

اقرأ في هذا المقال


أحداث ما قبل معركة استرجاع قلعة صفد

لقد تمكن الظاهر بيبرس من الانتصار في موقعة قيسارية وتمكّن من استرجاع القوات المملوكية لتلك المدينة المهمة الموجودة في جنوب حيفا، وبعد هذا الانتصار كانت تلك القوات قد تجمعت بالقُرب من أسوار عكّا مع محاولة استرداها أيضاً، لكنه توصل إلى أنها شديدة القوة والمتانة، لقد لاحظ بعض المؤرخين أن بيبرس تمكن من توقيع معاهدات مع الأعداء الصليبيين، الذين تفاعلوا مع هذه الانتصارات بكل رحابة صدر، حيث كانوا يبعثون رسائل المباركة بعد كل نصر لبيبرس.

أحداث ما قبل معركة استرجاع قلعة صفد

بالرغم من عدم نجاح الهجوم على مدينة عكّا، قام بيبرس بفرض الهجوم على قلعة صفد، والتي كانت مقرّ عسكري لفرقة الداوية الصليبية، و التي تعتبر ثاني أقوى الفرق الصليبية، كرر بيبرس وجنوده نفس الفعل في صفد بالحصار القوي واستخدام جميع المَعدات والأجهزة العسكرية، خاصة الثقيلة منها مثل: الدبابات الخشبية والمدافع، والتي كان الهدف منها تحطيم الأسوار المنيعة، بالإضافة لدورها في القضاء على المعنويات الصليبية، وبالتالي الهجوم المفاجئ عليها.

بعد حصار قوي وحرب مُستمر أرسل الداوية في طلب الأمان، حيثي استجاب بيبرس بالقبول بشرط ألا يأخذوا سلاح وغيرها من أدوات الحرب، وعدم إيذاء أي شيء من ذخائر القلعة، حيث تم وصف مشهد من مشاهد تلك المعركة الذي كان مليء بالحركة والتفاصيل، ويُظهر من خلاله مشاركة السلطان بنفسه في المعركة وعدم اكتفاءه بالتوجيه والإدارة.

وفي بعد يوم من أيام الحصار طلب السلطان بيبرس الانتقال إلى قلعة صفد، وبدأ الهجوم باستعمال الزجاجات النارية على العدو، ثم تم الانتقال إلى الهجوم الحجارة الثقيلة بالمنجنيقات، ثم بدأ القتال بين الفريقين بشكل مُخيف، والذي نتج عنه استشهاد جماعة كبيرة، ثم تكاثرت النُّقوب ودخل النقّابون إليها، كما دخل السُّلطان وبذل في هذا اليوم الكثير من المال والخُلع، بالإضافة إلى أنه أقام خيمة تتضمن أطباء وجراحيّن.

وخلال أحداث تلك المعركة كان سُفراء أمير كل من مدينة يافا ومدينة بيروت وغيرهم من الرجال الصليبيين يطلبون من السلطان الصُلح، إلا أن السلطان لم يتصالح مع أحد منهم، بل لامهم بما قاموا به في حق المسلمين، وبيّن أن الخلاف بالوعد الذي تكرر من جانبهم سبب كافي لمخالفة جميع الاتفاقيات القديمة.

وبعد استمرار الحصار الشديد أرسل الداوية طلب الأمان، حيث استجاب بيبرس بشرط ألا يرافقهم سلاح وغيرها من أدوات الحرب، ولكنهم نقضوا العهد الذي تم إعطاءه لهم، فقد أخذوا معهم الأسلحة، كما وجدوا معهم مجموعة من الأسرى المسلمين وكانوا من فئة الأطفال، وبالتالي تم أخذ جميع ما كان معهم وأمر بيبرس بقتلهم على تل قريب صفد في مكان كانوا يضربون فيه رِقاب المسلمين.

لقد اعترف الاسبتارية وهي الفرقة العسكرية الصليبية بقوة المماليك رُغماً عنهم، كما توجهت الكثير من الاتهامات إلى الظاهر بيبرس بالخيانة والغدر بسبب تلك الحادثة، وهنا لا يوجد كلام عن الخيانة مع الصليبيين، وذلك لكون الغدر لطالما كان شيمتهم منذ التاريخ القديم.

لقد أمر بيبرس بالحفاظ على هذه القلعة الاستراتيجية في شمال فلسطين دون أن يتم هدم أو تدمير أي شيء فيها، لقد كانت موجودة بالقرب من باقي الإمارات الصليبية في منطقة الساحل الشامي، وكانت قريبة أيضاً من طريق دمشق والمدن العريقة في فلسطين، لذلك فقد اهتم بيبرس في إعادة ما تم تدميره فيها في السنة التالية، كما اشترك في ذلك التجديد بنفسه حتى يكون قُدوة لأُمرائه وجنوده، كما اهتم في كتابة مجموعة من العبارات على أسوار القلعة، لقد كان مضمون تلك العبارات تاريخ جهاده ضد الصليبيين.

لقد قام بيبرس بتلقيب نفسه مجموعة من الألقاب منها: لقب سلطان الإسلام والمسلمين، أيضاً لقب سيد التتار، لقب فاتح القلاع والحصون، أيضاً لقب وارث الملك وغيرها من الألقاب المتميزة، وقبل أن يترك بيبرس قلعة صفد طلب لها الرجال للحماية من دمشق، كما تقررت نفقة رجالها في الشهر ثمانين ألف درهم، واستخدم على جميع بلادها الأمراء، كما عمل بها جامع في القلعة وجامع في الربض خارج الأسوار.

نستنتج أهم الآثار التي ترتبت عُقب معركة تحرير قلعة صفد امتداد الأراضي المملوكية في بلاد الصليبيين، بالإضافة إلى مبادرة سفير الاسبتارية بطلب الهدنة للمرة الثانية، وفي هذه المرة استجاب بيبرس للصلح، حيث كانت قلاعهم قريبة من حِمص، وقد فرض عليهم شروطه والتي تمثلت في القضاء على الجزية السنوية التي كانوا يطلبونها من مدينة حَماة وغيرها من المُدن الشاميّة، إن تلك الجزية كانت عامل مهم من عوامل قوتهم على المدن الشامية عام تلو الآخر، بل فرض عليهم بتوفير خمسين طن من القمح بشكل سنوي.


شارك المقالة: