علم الإجرام النسوي

اقرأ في هذا المقال


كان علم الإجرام تاريخيًا مجالًا يسيطر عليه العلماء الذكور الذين يسعون إلى شرح إجرام الرجال الآخرين، وكانت الفتيات والنساء اللواتي يرتكبن الجرائم لفترة طويلة هم الجناة المنسيون، وفي الواقع غالبًا ما يستخدم مصطلح الجاني غير المرئي من قبل الباحثين النسويين لوصف نقص المعرفة بالجانيات، وتم استبعاد النساء من العينات أو تم استبعاد البيانات المتعلقة بهن من التحليلات التي تسعى إلى شرح الجريمة أو فهم فعالية نظام العدالة الجنائية، ونتيجة هذا التركيز المركزي هو أنّ نظريات الجريمة والعدالة كانت في الحقيقة نظريات عن الجريمة والعدالة الذكورية.

ما هو علم الإجرام النسوي

جاء التفكير المبكر حول الجريمة من القادة الدينيين والفلاسفة، ففي كثير من الأحيان كانت وجهات النظر هذه تتكهن في كل من أصول وأخلاق الأعمال الإجرامية، وكذلك النوع المناسب من الردود على هذه الجرائم، وأجريت أولى الدراسات التجريبية الحقيقية للجرائم الجنائية من قبل سيزار لومبروسو الذي كان يعتقد أنّ هناك صلة مهمة بين العوامل البيولوجية وتسبب الجريمة، وبعبارة أخرى كان يُعتقد أنّ بعض المجرمين ولدوا مجرمين ويمكن التعرف عليهم من خلال عيوب بيولوجية معينة مثل عظام الوجنتين المرتفعة والصلع والعيون الماكرة.

ولكن لقد انتقلت الدراسات المتعلقة بطبيعة الجريمة ومداها إلى ما هو أبعد من هذه العوامل البيولوجية القائمة على المظهر، ويعتبر التفكير المعاصر حول التسبب في الجريمة أكثر تعقيدًا، وغالبًا ما يتضمن مزيجًا من العوامل الاجتماعية أو النفسية، ومن الجوانب التي تم الاهتمام بها من قبل بعض العلماء لا سيما علماء الإجرام النسويين هو دور الجنس الذكوريو والأنثوية في ارتكاب الجرائم، فعلم الجريمة النسوي هو ذلك العلم الذي يختص بأسباب ونتائج الجريمة التي ترتكبها المرأة، ويعد أحد فروع علم الجريمة، ويطوق مصطلح علم الإجرام النسوي منظورًا نظريًا موسعًا وواسع النطاق والمنهجيات التي تشكل تجارب النوع الاجتماعي في مركز دراسة علم الإجرام والسلوك الإجرامي.

كما يركز على مجموعة واسعة من الأجندات مثل المجرمات والضحايا من الإناث واستجابة المجرمات والاحتياجات الخاصة للسجينات، فبدأ التركيز الخاص على المجرمات في السبعينيات إلى حد كبير بسبب عمل الباحثات النسويات، وفي الواقع زاد عدد الباحثين الموصوفين بعلماء الإجرام النسويين بشكل مستمر خلال هذه الفترة الزمنية وأدى إلى توسيع جدول أعمال البحث للباحثين الذين يستكشفون موضوع النوع الاجتماعي والجريمة، وقبل هذا العصر كانت الأبحاث حول الفتيات أو النساء والجريمة تميل إلى أن تطاردها القوالب النمطية حول المرأة الشريرة والسيئات وكان العمل يركز بشكل حصري تقريبًا على الزنا.

على النقيض من ذلك بدأ الباحثون النسويون في استكشاف ما إذا كانت الفتيات والنساء قد ارتكبن الجريمة لأسباب مختلفة عن أسباب ارتكاب الفتيان والرجال، وكما ركزوا على مجموعة واسعة من الجرائم، وبالتالي فإنّ جزءًا من الدراسات النسوية في هذا المجال كان ولا يزال هو التشكيك في المعرفة الإجرامية التي كانت قائمة على الذكور وتم إبلاغهم وكذلك بناء علم إجرام جديد مع الجانيات بشكل مباشر كمركز للتحقيق، وبدأ الباحثون النسويون أيضًا في استكشاف تجارب الفتيات والنساء في نظام العدالة الجنائية وعلى وجه التحديد تجربة النساء في السجن.

الجريمة وجنس الفرد

منذ البداية عالج علماء الإجرام النسويون ندرة البحث والنظرية فيما يتعلق بإساءة الإناث، كما لفتوا الانتباه إلى حقيقة أنّ الرجال أيضًا لديهم جنس، وبالتالي قاموا بدفع خط جديد من البحث وهي أبحاث الذكورية التي تستكشف الدور الذي تلعبه التوقعات الذكورية في أشكال معينة من جرائم الذكور، وعلى الرغم من أنّ مصطلح النسوية غالبًا ما يثير دلالات سلبية في المجتمع العادي إلّا أنّ البحث النسوي في علم الإجرام يبرز الجندر أو الجنس، أي أنّ علماء الجريمة النسويين لا يفترضون أنّ العوامل المهمة في تفسير السلوك الإجرامي للذكور ستتنبأ بالضرورة أيضًا بجرائم الإناث.

تفترض الدراسات النسوية أيضًا أنّ الجنس يتشكل ويتكون من خلال التاريخ والثقافة والمناخ الاجتماعي والسياسي، وغالبًا ما يعزز جنس الفرد أو يحد من الفرص والمشاركة الاجتماعية بطرق مهمة جدًا، كما أنّ أنظمة امتياز الذكور هذه والطرق التي تتعامل بها مع ضبط النساء أمرًا مهمًا أيضًا لعلماء الجريمة النسويين.

الإجرام الأنثوي وفهم السلوك السيء

بالاعتماد على المنظورات الأنثوية المختلفة وغيرها من وجهات النظر النسوية المهمة، والتي تشمل التفسيرات الخاصة بالجنس للإجرام الأنثوي كلاً من الأطر النظرية التي يمكن من خلالها فهم السلوك المسيء، بالإضافة إلى أفكار التغيير التي تنبع من هذه المنظورات، حيث ظل علماء الإجرام النسويون قلقين بشأن ما إذا كانت نظريات الجريمة القائمة على الذكور تنطبق في الواقع على تفسيرات إجرام الإناث، ولماذا يعتبر الجنس مهمًا جدًا في الإجراءات الرسمية للجريمة؟

الجريمة النسوية والنظام الأبوي

يمكن القول إنّ التركيز النسوي على المرأة بدأ بالتركيز على إيذاء المرأة في نظام أبوي إلى حد كبير، وأدى التركيز على إيذاء الإناث حتماً إلى اكتشاف رابط مهم بين إيذاء الفتيات والنساء وتاريخهن اللاحق في الإيذاء، وعلاوة على ذلك فإنّ هذا الاستفسار المركّز على إساءات الإناث قد سلط الضوء على نقص الاهتمام الأكاديمي الذي تشتد الحاجة إليه بجرائم المرأة، وعلى وجه التحديد اهتم النسويون بكيفية تأثير البنية الاجتماعية القائمة على النوع الاجتماعي (أي الهيكل الذي يهيمن عليه النظام الأبوي) على المشاركة الاجتماعية للمرأة بطرق تضر بها.

في هذا المجال يتم قبول الجنس كشيء مبني اجتماعياً ومختلف عن الجنس البيولوجي، فالجنس -الذكورة أو الأنوثة- مشبع بعمق بمعاني وتوقعات اجتماعية متأصلة، وفي الواقع من المهم ملاحظة أنّ الدراسات النسوية بغض النظر عن شكلها قد ساعدت في تجاوز الانقسام بين الجريمة كذكر والإيذاء كأنثى، بينما في الواقع أعادت الدراسات النسوية تركيز الانتباه على الرجال والجريمة وما يعنيه ممارسة الجنس لكليهما.

نتائج نقص البحوث حول الجرائم الأنثوية

لسوء الحظ فإنّ نقص البحث وغيره من الاهتمام الأكاديمي بجرائم المرأة قد أسفر عن عواقب ومن أهمها:

1- أولاً بدلاً من محاولة فهم سبب ارتكاب النساء للجريمة قام العلماء بوصف المرأة بأنّها سيئة إذا ارتكبت جريمة، ولقد عوملت النساء تاريخيًا وبلا شك بطرق تحكمية مفرطة لا سيما في الأنظمة الأبوية التي تقدر المرأة الصالحة، أي أولئك الخاضعات إلى حد كبير للرجال والمؤسسات التي أنشأها الذكور.

2- ثانيًا تم تطبيق السياسات والممارسات والبرامج المصممة للجناة الذكور على المجرمات بطرق غير معترف بها إلى حد كبير، ولقد مر عدد النساء الموقوفات وكأعضاء في الإصلاحيات دون أن يلاحظها أحد أو يدرس إلى حد كبير حتى عندما زادت أعدادهن بمعدلات أسرع من الرجال، ومع ذلك فقد تجاوزت المنح الدراسية المعاصرة إخفاء الجانيات.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017. أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: