مفهوم الانثروبولوجيا وطبيعتها وأهميتها

اقرأ في هذا المقال


يُجمع العلماء في علم الأنثروبولوجيا على أنّ هذا علم جديد العهـد، إذا ما قورن ببعض العلوم العديدة كالطب والفلـك والفلسفة وغيرها.

مفهوم الأنثروبولوجيا:

إن كلمة أنثروبولوجيا Anthropology، هي كلمة إنكليزيـة مكونة من قسمين: أنثروبوس ويقصد “الإنسان” ولوجوس ويقصد “علم” وبذلك فإن كلمة الأنثروبولوجيا تعني” علــم الإنســان ” أي العلــم الــذي يــهتم بالإنســان.

تعرف الأنثروبولوجيا أيضاً، بأنها العلوم التي تدرس الإنسان مـن حيـث أنه كائن عضوي حي، يسكن في مجتمع تحكمه نظم وتقاليد اجتماعية في ضمن ثقافة معينة. ويقوم بأعمال مختلفة، ويقوم بسلوك محدد، وهـو أيضـاً العلـم
الذي يتناول الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة.

ويحاول التنبؤ بمستقبل الإنسان معتمداً على تطور سلوكه عبر التاريخ الإنساني الطويل، ولذلك يكون علـم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً جديداً، يتناول الإنسان وسلوكه وأعماله.

ويعرف مصطلح الأنثروبولوجيا كذلك، بأنّها علم (الأناسـة) وهو العلـم الـذي يهتم بدراسة الإنسان كمخلوق ينسب إلى العالم الحيواني من ناحية، ومن ناحية ثانية أنّـه الوحيد الذي يختلف عن الحيوانات جميعها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها، وهو المخلوق الـذي يتميز عنها جميعاً.

كما تعرف الأنثروبولوجيا بشكل مختصر ومتنوع بأنّها “علـم دراسـة الإنسـان بشكل طبيعي وحضاري واجتماعي “. بمعنى أن الأنثروبولوجيا لا تركز على الاهتمام بالإنسان بكونه كائن منعزل بحد بنفسه، أو مستقل عن أبناء جنسه، إنّما تدرسه بوصفه كائناً اجتماعياً بطبعه، يعيش في بيئة معينة لها ميزاتـها الخاصة.

فالأنثروبولوجيا كعلم يهتم بدراسة الإنسان في نواحي متعددة، البيوفيزيائيـة والثقافية والاجتماعية، فهي علم واسع يجمع بـين ميـادين وحقول متباينـة ومختلفة بعضها عن بعض.

وهذا يتماشى مع تعريف تايلور الذي أدراك أن الأنثروبولوجيـا: “هـي الدراسة البيوثقافية المتطابقة للإنسان” إذ تحاول توضيح العلاقة بين المظاهر البيولوجية المتأصلة للإنسان، وما تلقى من تعليم وتربية اجتماعيـة، وبهـذا المفهوم تتناول الأنثروبولوجيا موضوعات مختلفة من العلوم والتخصصات التي تتعلّق بالإنسان.

ما هي طبيعة الأنثروبولوجيا؟

إن الشعوب المتكلمة باللغـة الإنجليزيـة عامة، تُسمي علـم الأنثروبولوجيا :”بعلم الإنسان وأعماله”. بينما يطلق المصطلح نفسه في الدول الأوروبية غير المتحدثة بالإنجليزية “بدراسة الخصائص الجسمية للإنسان“.
ويصل هذا التباين إلى طبيعة دراسة الأنثروبولوجيا. فكان يعني في أوروبـا، الأنثروبولوجيا الفيزيقية، ويصنف إلى اثنين من العلوم وهما الآثار واللغويات كأفرع منفصلة، وكان الأمريكيون يعتمدون مصـطلح (الإثنولوجيـا أو الإثنوغرافيـا ) لشرح (الإثنوجرافيا الثقافيـة) والتـي يطلـق عليهـا البريطـانيون (الأنثروبولوجيـا الاجتماعية).

ففي إنجلترا على سبيل المثال، يطلق علم الأنثروبولوجيا، على دراسـة الشـعوب وبيئاتها الاجتماعية، مع اتجاه خاص للتركيز على دراسة الشعوب البدائيـة. أمـا في أمريكا فيرى الباحثون أن الأنثروبولوجيا، هي علم يهتم بدراسة الثقافات البشـرية البدائية والمعاصرة، في حين أن علماء فرنسا يقصدون بهذا المصـطلح، دراسـة الإنسان من الجهة الطبيعية أي ” العضوية “.

فعلم الأنثروبولوجيا يصب تركيزه على مخلوق واحد هو الإنسان، ويعمل على فهم أشكال الظواهر المتعددة التي تؤثّر فيه. في حين تدرس البحوث الأخـرى على أصناف مختلفة من الظاهرات أنّى وجدت في الطبيعة. وكـان علـم الأنثروبولوجيا وما زال يبتغي استيعاب كلّ ما يمكن معرفته عن طبيعـة هذا الكائن الحي الغريب الذي يمشي على قدمين، وكذلك دراسة سـلوكه الـذي يفـوق طبيعته الجسمية.

وبالرغم من أن علماء الأنثروبولوجيا تمكنوا استعمال بعض الأسـاليب التـي حسنتها العلوم الاجتماعية، فهم قلّما اضطروا إلى ترقب نمو مثـل هـذه الأساليب. والواقع أن مشاركتهم في تقدم العلوم الاجتماعية لا يكون شأنها قليل عـن إسهام هذه العلوم في تطور الأنثروبولوجيا. ولذلك، يتجزأ علـم الأنثروبولوجيـا إلـى جزئين أساسـيين: يهتم الأول فـي الإنسـان، ويهتم بالأنثروبولوجيا الطبيعية، في حين يهتم الثاني في أعمال الإنسـان، ويعـرف بالأنثروبولوجيا الثقافية الحضارية.

واستناداً إلى هذه الدراسات، فقد نهّجت الباحثة الأمريكيـة مارغريـت ميد طبيعة علوم الأنثروبولوجيا وأبعادها، بقولها: “إنّنـا نظهر الخصـائص الإنسانية للجنس البشري (البيولوجية والثقافية) كأنقاد مترابطة ومتقلبة، وذلك عن طريق أنماط ومقاييس ومناهج متحضرة”. كما نهتم أيضـاً بوصـف الـنظم الاجتماعية والتكنولوجية وتفسيرها وتحليلها، إضافة إلـى البحـث فـي الإدراك العقلـي للإنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته.

وتأسيساً على ما تم الحديث عنه، فإن الأنثروبولوجيا هي المبحث الذي يهتم بدراسة الإنسان، فهو يدرس نظير الشبه ونظير الاختلاف بينه وبين الكائنات الحية المختلفة مـن ناحية، ونظير الشبه والاختلاف بين الإنسان وأخيه الإنسان من ناحية أخرى.

أهداف دراسة الأنثروبولوجيا:

وانطلاقاً من مصطلح الأنثروبولوجيا وطبيعتها، فإن دراستها تثبت مجموعـة من الأهداف، يمكن تصنيفها في الأمور التالية:

1- وصف أشكال الحياة البشرية والاجتماعية وصفاً شاملاً، وذلك عـن طريق مخالطة الباحث المجموعة أو الجماعة المدروسـة، وتدوين كلّ ما يقوم به أفرادها من أفعال في تعاملهم في الحياة اليومية.
2- تصنيف أشكال الحياة البشرية والاجتماعية بعد دراسـتها دراسـة منطقية وبشكل واقعي، بهدف الوصول إلى أشكال إنسانية مختلفة في أنماط الترتيـب التطوري الحضاري الشامل للإنسان: بدائي، زراعي، ثقافي، صـناعي، معرفي وتكنولوجي.
3- تحديد أصول التطور الذي يحدث للإنسان، وأسـباب هـذا التطور بدقّة علمية. وذلك بالعودة إلى التراث الإنساني ووصله بالحاضر من حيث المقارنة، وإيجاد أسباب التغيير المختلفة.
4- استنتاج المعطيات والتوقعات لأنماط التغيير المتوقعة، في الظواهر الإنسانية والاجتماعية والثقافية والحضارية التي تتم دراستها، لإمكانية معرفة مستقبل الجماعات البشرية التـي قامت عليهـا الدراسـة.

أهمية الدراسات الأنثروبولوجية في تصنيف السلوك:

ومن هنا جاءت أهمية الدراسات الأنثروبولوجية في تصنيف سلوك الكائنـات البشرية، وإيجاد التفاصيل التي تشترك معها فيها، وذلك بشكل بعيد عـن التعصـب والقرارات التي يتم اتخاذها بشكل مسبق والتي لا تستند إلى أيّ أسس علمية.
وإذا كان علم الأنثروبولوجيا بجميع الدراسات المتنوعة التي يقوم بها، قد تمكن أن ينجح فـي تأكيد الكثير من الجوانب الخاصة بتكوين الإنسان وطبيعتـه، وخطوات تطـوره الثقافي الحضاري، فإن أهم ما أظهره هـو أن الشـعوب البشـرية بأجناسـها المختلفة والمتعددة، تتشابه إلى حد التلاؤم في طبيعتها الأساسية، ولا سيما فـي النـواحي العضوية والحيوية.

المصدر: محمد الجوهري،مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا،2007محمد الجوهري،الأنثروبولوجيا الاجتماعية،2004كاظم سعد الدين،الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريح،2010ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964


شارك المقالة: