الفروق بين القوانين الاجتماعية من ناحية طريقتها على التأثير

اقرأ في هذا المقال


إن الموضوعية هي السمة العامة التي تتميز بها كافة قوانين التطور الاجتماعي، وفي آن واحد يختلف بعضها عن بعض اختلافاً كبيراً في مجالات فاعليتها وطريقتها على التأثير ووظائفها، إن هذه الفروق تكوّن قاعدة ننطلق منها لتصنيف قوانين التطور الاجتماعي، ولكن مهمتنا في هذا المجال ليست تصنيفها تصنيفاً كاملاً، إنما نكتفي ببحث بعض الفروق بينها من ناحية طريقتها على التأثير.

الفروق بين القوانين الاجتماعية من ناحية طريقتها على التأثير

كانت هناك محاولات لتقسيم قوانين التطور الاجتماعي في تاريخ علم الاجتماع إلى قوانين علم توازن القوى الاجتماعي وقوانين علم الدينامية، لقد اعتبر أوجست كونت أن قوانين توازن القوى يسجل التوازن في حالة كيان المجتمع البشري، وأما قوانين علم الدينامية فهي تسجل عوامل تعمل على تغييره، وفي رأيه أن العامل الرئيسي بينها هو الأفكار المعنوية التي تقلب العالم رأساً على عقب.

كان توازن القوى الاجتماعي قاعدة انطلق منها كونت للبرهنة على سلامة الاتجاه المحافظ الذي يستثني الانقلابات الثورية، وأما علم الدينامية فقد كان قاعدة انطلق منها للبرهنة على صواب التقدم، ولكن ضمن نطاق النظام.

ليس في وسعنا أن نسلم بهذا التقسيم للقوانين الاجتماعية، الذي تمسك به فيما بعد بعض أنصار نظرية التوازن؛ ﻷن المجتمع هو نظام دينامي في أعلى درجاته، وأن منابع تغير هذا النظام وتطوره ليست أسباب خارجية تخل بتوازنه، إنما هي موجودة في داخله بالذات.

أقسام قوانين الحياة الاجتماعية في التطور الاجتماعي

نجد في الأدبيات الماركسية المعاصرة أفكاراً تقول أنه من الممكن تقسيم قوانين الحياة الاجتماعية إلى قوانين البنية وقوانين الوظيفة وقوانين التطور، إن لهذا التقسيم بعض التبريرات، حيث أنه نسبي للعاية، فلا شك أن هناك مثلاً قوانين تعبر قبل كل شيء عن بنية الكيان الاجتماعي مثل القانون الذي يعين أن للقاعدة الدور المقرر بالنسبة إلى البناء الفوقي، غير أن نفس هذه القوانين تفسر كذلك تطور هذا الكيان، إذا نظرنا إليه من ناحية الترابط بين القاعدة والبناء الفوقي ليس من ناحية توازنهما، بل من ناحية الدينامية وتفاعلهما الديالكتيكي.

فإن التغيرات التي تطرأ على القاعدة ولنقل في المرحلة التي سبقت الثورات البرجوازية، خلقت تناقضات بين الاقتصاد البرجوازي الذي تمخض داخل الاقطاعية وبين البناء السياسي الاقطاعي المُطلق، إن هذه التناقضات كالتناقضات بين القوى المنتجة والعلاقات الانتاجية تحلها الثورة البرجوازية، ولهذا فإن قانون الدور المقرر للقاعدة يفسر في هذا المجال تطور بنية الكيان الاجتماعي، وذلك بالإضافة إلى أنه يعكس هذه البنية.

والشيء نفسه يمكن أن يقال عن قوانين الوظيفة وقوانين التطور، حيث أن هناك بعض الفلاسفة وعلماء الاجتماع على استعداد لتصنيفها باعتبارها قوانين مستقلة تماماً، ليس هناك من يشك أن الوظيفة هي جانب من الجوانب المستقلة نسبياً لحياة التشكيلة، التي تعبر عن شروط وجود التشكيلة، فمن حق قوانين وظيفة المجتمع الاشتراكي مثلاً أن تطالب العلماء ببحثها بإسهاب أكثر مما فعلوه حتى الآن.

ثم هذا الحق تفرضه كذلك الحاجة للقيام بتحليل شامل لوظيفة الاشتراكية، بكونها مرحلة طويلة نسبياً من مراحل التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، ولكن هذا الأمر لا يعطينا المبررات لوضع قوانين وظيفة المجتمع وقوانين تطوره على طرفي نقيض، إن هذا الموقف يلائم فلسفة البنية التي وضعها كلود ليفي ستروس أو نظرية البنية الوظائفية التي صاغها تالكوت بارسونز، أكثر من ملاءمتها للماركسية.

إن فكرة فلاديمير المشهورة التي طرحها في مقاله عن كارل ماركس، والقائلة أن ماركس لم يستنتج حتمية تحويل المجتمع الرأسمالي إلى مجتمع اشتراكي سوى من القانون الاقتصادي لحركة المجتمع المعاصر له، أي المجتمع الرأسمالي، إن بحث قوانين وظيفة المجتمع الرأسمالي يشير كيف أن هذه القوانين تفضي إلى نفي هذا المجتمع، ولذا فإننا حينما ندرس شروط وظيفة المجتمع الاشتراكي فنحن نوضح بذلك أيضاً شروط تحوله التدريجي إلى الشيوعية.

ولذلك فنحن نعتبر أن الرأي الذي ورد في الأدبيات والقائل أن هناك قوانين اجتماعية، بعضها ليست سوى قوانين الوظيفة، وبعضها ليست سوى قوانين التطور، هو رأي غير مقنع، كما يدعي أصحاب هذا الرأي نتيجة لهذا التقسيم أن قانون الطلب والعرض في ظل الرأسمالية هو قانون الوظيفة، وأما قانون المنافسة فهو قانون التطور، أو أنهم يعتبرون أن قانون التوزيع حسب العمل في ظل الاشتراكية هو من قوانين الوظيفة، أما قانون منفعة العمال المادية في نتيجة عملهم فهو من قوانين التطور.

إذا كانت هذه الأمثلة تبرهن على صواب شيء ما، فإنها لا تبرهن سوى على أن المحتمل أن يبرز هذا الجانب أو ذاك في مراحل مختلفة، غير أنه يستحيل أن يكون هذان الجانبان مستقلين أحدهما عن الآخر، فعلى سبيل المثال، أن أسلوب الانتاج يتطور في آن واحد مع قيامه بوظيفته، إن هذه الظاهرة تبدو بجلاء خاصة في إعادة الانتاج الموسع، مع العلم أن التطور يجري سواء من خلال وظيفة داخل أي شكل من الأشكال أم بواسطة حلول شكل محل آخر.

تقسيم قوانين المجتمع إلى قوانين دينامية وإحصائية

وهناك مسألة أخرى تستحق أن نبحثها بشكل خاص، وهي مسألة تقسيم قوانين المجتمع إلى قوانين دينامية وقوانين احصائية، إن أساس هذا التقسيم اختلاف التناسب بين الظواهر الحتمية والصدف خلال فاعليتها، وﻷن القوانين الاجتماعية تنفذ من خلال نشاطات الناس فيتبادر إلى الأذهان السؤال التالي، هل من الصواب أن نعزي هذه القوانين إلى القوانين الإحصائية؟ بمعنى آخر، هل أن القوانين الاجتماعية هي قوانين احصائية؟ لقد تعددت الأجوبة عن هذا السؤال، حيث أن الكثير من الكتاب يعزون جميع القوانين الاجتماعية إلى قوانين احصائية.

نلاحظ قبل كل شيء أن مفهوم القوانين الاحصائية أصبح علماً على السواء في ميدان الظواهر الاجتماعية مثلاً، فقد تمت صياغة بعض هذه القوانين في بداية الأمر كقوانين تجريبية مثلاً، التناسب بين عدد ميلاد الذكور والإناث، أو بين ضغط وحجم الغاز، ولم يجر تفسيرها نظرياً إلا فيما بعد، وأما القوانين الأخرى مثل قانون الانتقاء الطبيعي في علم الأحياء، وقوانين الكم في الفيزياء، فقد كانت ترتبط منذ بدايتها بصياغة نظرية معينة، ومنذ صياغة نظرية الكم في العلوم الطبيعية أخذ يظهر اتجاه كاد يعتبر جميع القوانين قوانين احصائية، كانت هذه الفكرة تعكس ولا شك دور الأساليب الاحصائية ف المسيرة العامة لتطور المعارف البشرية، حيث أنها كانت فكرة من جانب واحد.

لقد رسخت فكرة في العلوم الطبيعية وفي الفلسفة على السواء مفادها أن هناك نوعين من القوانين، حيث يتغلغل أحدهما بالآخر، ولكنهما لا تتفقان، وهما القوانين الدينامية والقوانين الإحصائية، إن السمة التي تتميز بها القوانين الإحصائية هي أنها تعبر عن الروابط الحتمية السائدة ليس بين الظواهر والمواضيع والجوانب المستقلة والمعزولة نسبياً مثل الروابط بين السبب والنتيجة.

إنما هي قوانين مجموعة بكاملها مثل مجموعة جزيئات الغاز التي تتفاعل فيما بينهما، أو مجموعة الكائنات التي يتكون منها نوع من الأنواع الحية، فالقوانين الإحصائية تعبر أولاً عن الخواص التي تلازم نظاماً عاماً، وليست وحدات منه مثلاً، ليس هناك معنى لمفهوم ضغط الديناميات الحرارية إذا استخدمناه بالنسبة لبعض الجزيئات، وثانياً تعبر القوانين الإحصائية عن الروابط المحتملة، وذلك بخلاف القوانين الدينامية التي تعبر بشكل دقيق ومعين عن حتمية الظواهر، وإن هذه الروابط تتسم كذلك بطابع ثابت ودائمي نسبياً، ولكنها قوانين تختلف عن القوانين الدينامية.

حيث أن تقسيم القوانين إلى قوانين إحصائية وقوانين دينامية لا يعني أنه من الممكن نقله آلياً من الفيزياء إلى علم الاجتماع وفي رأينا أن بانايوت غينديف الفيلسوف البلغاري على حق حينما لاحظ أن جميع القوانين الاجتماعية تحتوي بصورة ديالكتيكية إلى حدود معينة، على صفات تميزها، سواء أكانت دينامية أو احصائية.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: