طرق استخدام نظرية الأنشطة الروتينية لفهم ظواهر الجريمة

اقرأ في هذا المقال


وجهت نظرية الأنشطة الروتينية البحث المصمم لفهم مجموعة من الظواهر بما في ذلك اتجاهات الجريمة بمرور الوقت وتوزيع الجريمة عبر الأماكن والاختلافات الفردية في الإيذاء، بالإضافة إلى ذلك نظر الباحثون في كيفية وجود فرص الجريمة على مستويات متعددة، فعلى سبيل المثال قد تؤثر خصائص الحي الذي يعيش فيه الفرد وخصائص المنزل على احتمالية وقوع ضحايا السطو، فاستخدم الباحثون طرق بحث مختلفة لتلبية هذه الاحتياجات المختلفة، ومن هنا جاءت الطرق المختلفة التي استخدمها الباحثون لاختبار الفرضيات التي تم تطويرها من نظرية الأنشطة الروتينية لفهم وتفسير ارتكاب الجرائم.

توقع اتجاهات الجريمة باستخدام النشاط الروتيني

تم استخدام نظرية الأنشطة الروتينية لأول مرة لفهم التغيرات في اتجاهات الجريمة بمرور الوقت، وللقيام بذلك يقوم الباحثون بفحص كيفية تقلب معدلات الجريمة بمرور الوقت مع التغيرات في اتجاهات النشاط الروتيني على المستوى الكلي؛ وذلك لتحديد ما إذا كانت التغييرات في الأنشطة الروتينية مرتبطة بالتغيرات في اتجاهات الجريمة، وإذا كانت كذلك فهذا يشير إلى دعم النظرية، كما أنّ التحول في الأنشطة الروتينية الهيكلية للمجتمع لشرح سبب زيادة معدلات الجريمة الحضرية، وذلك في الفهم الأولي لتفسير ارتكاب الجرائم، عندما كان يعتقد أنّ العوامل تسبب الجريمة العنيفة مثل الظروف الاقتصادية بشكل عام خلال فترة زمنية محددة.

جادل المفسرين بأنّ التشتت في الأنشطة البعيدة عن الأسرة والمنزل تسبب في زيادة ملاءمة الهدف وانخفاض الوصاية، وبعبارة أخرى كان الناس يتركون منازلهم بدون حراسة أو مشغولة بشكل متكرر فضلاً عن تعريض أنفسهم كأهداف لمرتكبي الجرائم المحتملين، ولاختبار هذه الفرضية طور كوهين وفلسون نسبة نشاط الأسرة لقياس مدى ترك الأسر دون رعاية، وتوقعوا أنّ التغييرات في تشتت الأنشطة بعيدًا عن الأسرة والمنزل أوضحت معدلات الجريمة بمرور الوقت، بحجة أنّ الأنشطة غير المنزلية تزيد من احتمال تقارب الجناة المتحمسين في الزمان والمكان في غياب الأوصياء المؤهلين.

باستخدام تحليل السلاسل الزمنية وجدوا أنّ نسبة نشاط الأسرة كانت مرتبطة بشكل كبير بالسطو والاغتصاب القسري والاعتداء المشدد والسرقة والقتل، وتمشيًا مع دراسة كوهين وفيلسون الأولية أظهرت الدراسات اللاحقة على المستوى الكلي أنّ الاختلافات في التنظيم الهيكلي للمجتمع للأنشطة الروتينية مرتبطة بالتغيرات في اتجاهات الجريمة بمرور الوقت، وبعبارة أخرى أظهرت الأبحاث عمومًا أن الأنشطة الروتينية التي تأخذ الناس بعيدًا عن منازلهم تميل إلى الارتباط بزيادة معدلات الجريمة.

التنبؤ بتوزيع الجريمة عبر الأماكن المختلفة باستخدام الأنشطة الروتينية

كما تم استخدام نظرية الأنشطة الروتينية لشرح توزيع الجريمة عبر عدة أماكن، وعلى عكس البحث الذي تمت مراجعته للتو والذي درس كيفية تغير معدلات الجريمة في نفس المكان بمرور الوقت، يبحث هذا النوع من الأبحاث في كيفية اختلاف معدلات الجريمة في أماكن مختلفة في نفس الوقت، فاستخدم الباحثون نظرية الأنشطة الروتينية لتطوير فرضيات قابلة للاختبار حول سبب ارتفاع معدلات الجريمة في بعض المناطق عن غيرها.

للقيام بذلك يقومون بفحص ما إذا كانت الأنشطة الروتينية للأشخاص الذين يعيشون في أماكن بها مستويات أعلى من الجريمة، تختلف عن الأنشطة الروتينية للأشخاص الذين يعيشون في أماكن ذات مستويات منخفضة من الجريمة، افترض ميسنر وبلاو أنّ المستويات الأعلى من مشاهدة التلفزيون الإجمالية سترتبط بمعدلات جريمة أقل في المدينة لأنّ أوقات الفراغ الروتينية الأنشطة التي تتم في الأسرة توفر للأهداف المحتملة مستوى أعلى من الوصاية.

وعلى العكس من ذلك افترضوا أنّ الإمداد الأكبر من المؤسسات الرياضية والترفيهية سيرتبط بارتفاع معدلات الجريمة في المدينة، لأنّ الأنشطة الترفيهية التي تخرج الناس من منازلهم تترك أهدافًا مناسبة دون حراسة، وبشكل عام تدعم تحليلاتهم هذه الفرضيات، وارتبطت المستويات الأعلى من مشاهدة التلفزيون بانخفاض معدلات الاغتصاب والسرقة والاعتداء المشدد والسطو والسلب والسرقة الآلية، وعلى العكس من ذلك ارتبط العرض الأكبر للمؤسسات الرياضية والترفيهية بارتفاع معدلات القتل والقتل غير العمد والاغتصاب القسري والسرقة والاعتداء الجسيم والسطو والسلب.

التنبؤ بالاختلافات في الإيذاء باستخدام الأنشطة الروتينية

كما تم استخدام نظرية الأنشطة الروتينية لشرح الاختلافات في الإيذاء عبر الأفراد، فعلى الرغم من أنّ كوهين وفيلسون استخدما النظرية مبدئيًا لشرح اتجاهات الجريمة على المستوى الوطني لبلادهم، فإنّ الآليات التي وصفتها النظرية هي في الواقع ذات طبيعة جزئية: حيث أنّ الضحية تتلامس مع الجاني في غياب أي مراقبون قادرون، وقد دفع هذا العديد من الباحثين إلى استخدام بيانات الإيذاء على المستوى الفردي لفهم الاختلافات في خطر الإيذاء بالنظر إلى الأنشطة الروتينية للضحية المحتملة.

على وجه التحديد يقارن الباحثون الأنشطة الروتينية للضحايا بأنشطة غير الضحايا لفهم تأثير نمط الحياة والأنشطة الروتينية على احتمال التعرض للإيذاء، وأصبحت بيانات استقصاء الإيذاء متاحة بشكل متزايد في العقود الأخيرة، مما يجعل هذه المنهجية أكثر شيوعًا، ولذلك درس الباحثون كيف تؤثر الأنشطة الروتينية للأفراد على احتمالية تعرضهم لأشكال مختلفة من الإيذاء بما في ذلك جرائم الملكية والجريمة العنيفة والمطاردة.

جادل ميث وستافورد ولونغ بأنّ الأنشطة الروتينية للأفراد تضع بعض الأشخاص أو ممتلكاتهم بشكل مختلف على مقربة من الجناة المتحمسين مما يجعلهم عرضة للإيذاء، وباستخدام بيانات الإيذاء من مسح الجريمة الوطني تم استكشاف ما إذا كانت الأنشطة اليومية الرئيسية للأفراد وتكرار الأنشطة الليلية قد أثرت على احتمالية تعرضهم للممتلكات والإيذاء العنيف، وأشارت تحليلاتهم إلى أنّ الأفراد الذين يؤدون أنشطتهم اليومية الرئيسية خارج المنزل لديهم مخاطر أعلى نسبيًا من التعرض للإيذاء على الممتلكات مقارنةً بأولئك الذين أبقتهم أنشطتهم اليومية في المنزل.

ومع ذلك لم يكن موقع الأنشطة اليومية الرئيسية مرتبطًا بشكل كبير بخطر التعرض للإيذاء العنيف، ومن حيث تكرار الأنشطة الليلية وجد أنّ الأفراد الذين يتكررون بشكل كبير من الأنشطة الليلية كانوا في خطر متزايد على الممتلكات والإيذاء العنيف.

الفرص متعددة المستويات والأنشطة الروتينية

في البداية فحص الباحثون فرضيات المستوى الكلي والدقيق المستمدة من الأنشطة الروتينية بشكل منفصل، وتم استخدام الأنشطة الروتينية على المستوى الكلي لشرح معدلات الجريمة وتم استخدام الأنشطة الروتينية للأفراد لشرح مخاطر الإيذاء، وفي السنوات الأخيرة بدأ الباحثون في استكشاف ما إذا كانت عوامل الفرصة تعمل على كل من المستوى الفردي ومستوى الأحياء للتأثير على مخاطر الإيذاء، وبمعنى آخر هل تؤثر الأنشطة الروتينية للحي الذي يقيم فيه الفرد بشكل مستقل على مخاطر تعرضه للإيذاء بما يتجاوز تأثير خصائصه وأنشطته الروتينية التي تجعله عرضة للجريمة؟

على سبيل المثال ترك الباب مفتوحًا قد يسهم في خطر الإيذاء، وقد يسهم العيش في حي، حيث من الشائع أن يترك المرء بابًا مفتوحًا في خطر الإيذاء، ففي الحالة الأولى يمكن دخول المنزل بسهولة إذا حاول السارق الدخول، وفي الحالة الثانية يعرف السارق أنّه يحاول دخول المنزل نظرًا لقاعدة الحي المتمثلة في ترك الأبواب مفتوحة، وقد يسهم هذان العاملان في خطر الإيذاء لهذا الفرد.

بالإضافة إلى ذلك تساءل الباحثون عما إذا كانت تأثيرات الأنشطة الروتينية الفردية على خطر الإيذاء تختلف حسب الحي، فعلى سبيل المثال هل ترك الباب مفتوحًا يزيد من خطر التعرض للإيذاء السطو إلى مستوى معين، بغض النظر عما إذا كان المرء يعيش في الضواحي أو في المدينة أم أنّ خصائص الحي تحدد تأثير الأنشطة الروتينية الفردية على خطر الإيذاء؟ ألهمت نظرية الأنشطة الروتينية وهذه الأنواع من الأسئلة البحثية المزيد من التطورات النظرية في مجال الفرص متعددة المستويات.

للإجابة على هذه الأسئلة يستخدم الباحثون بيانات عن كل من خصائص الحي التي تشير إلى فرص الجريمة، بالإضافة إلى الأنشطة الروتينية والخصائص الأخرى للضحية التي قد تعرضه لخطر الإيذاء، ولتحليل مثل هذه البيانات يعتمد الباحثون على تقنيات النمذجة متعددة المستويات المعقدة التي تسمح لهم بتحديد تأثيرات العوامل على مستوى الفرد والجوار في نفس الوقت، وكذلك إلى أي مدى يمكن لخصائص الحي أن تحدد تأثيرات الأنشطة الروتينية الفردية على خطر الإيذاء.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: