وظائف النظرية الاجتماعية في توجيه البحث العلمي

اقرأ في هذا المقال


وظائف النظرية الاجتماعية في توجيه البحث العلمي:

  • توجيه النظرية نحو الموضوعات المثمرة للبحث العلمي: تعين النظرية مسار واتجاه البحث، وترشده نحو تناول الموضوعات التي تحتمل أن تكون أكثر نفعاً من غيرها، والمثال الذي يوضح ذلك يمكن أن نستمده من نظرية بيرسي كوهن، التي قدمها لتفسير تكوين الثقافة الفرعية الانحرافية في بعض قطاعات المجتمع الأمريكي.
    تلك النظرية التي أقامها من نتائج بحوث سابقة حول السلوك الانحرافي، وعلى خبراته الخاصة بسلوك عصابات الجانحين، وعلى بعض النظريات الأخرى في ميدان علم النفس والاجتماع، مستخلصاً مجموعة من القضايا النظرية التالية:
    يهدف كل سلوك إنساني إلى حل بعض المشكلات، بالرغم أن كل أعضاء المجتمع يعانون من المشكلات إلّا أن هذه المشكلات تتباين بين أعضاء المجتمع، فمثلاً أعضاء الطبقة العاملة يعانون من المشكلات بدرجة أكثر مما يعاني منه أعضاء طبقة الموظفين، كما يوجه الذكور مشكلات تفوق ما يواجهه الإناث.
    وهكذا يمثل التفاعل بين الأفراد ومواجهة مشاكل التكيف شرطاً أساسياً لتكوين أنماط ثقافية جديدة، يشترط في تكيف الأفراد أن يرضى عنه أقرانه الذين تكون لهم أهمية من وجهة نظرهم، يصعب تحقيق التكيف ﻷبناء الطبقة العاملة بسبب تطبيق معايير الطبقة الوسطى على أبنائهم في المدارس والنوادي وغيرها مما يجعلهم غير مهيئين لمجاراة مثل هذه المعايير.
    تتغلب الثقافة الفرعية الانحرافية على ذلك من خلال وضع معايير لهم يستطيع هؤلاء الأبناء مجاراتها، نشوبها صراع بين المعايير المفروضة على أبناء الطبقة العاملة ومعايير الثقافة الفرعية للعصابات الجانحة.
  • تلخيص الوقائع وتوضيح العلاقات بينها: لا شك أن كل قانون وكل فرض بل وحتى كل مفهوم تتضمنه النظرية ليس إلا تلخيصاً هائلاً لعدد لا نهاية له من الملاحظات التي قام العلماء بإجرائها، فمفهوم الخلية الحية مثلاً يلخص في كلمة واحدة ملاحظات عديدة أجريت عن شكل أو صورة معينة من المادة، ومفهوم الأسرة يمثل نفس الشيء والقوانين تلخص العلاقات المتعددة بين الظواهر موضوع الدراسة.
  • التنبؤ بالوقائع: فإذا كانت النظرية تلخص الوقائع، وتقرر وجود نظام شامل يتصل بين الملاحظات التي يتوصل إليها العالم، فإنها تصبح أيضاً تنبؤات بما سيحدث في المستقبل، فقولنا مثلاً أن المعادن تتمدد بالحرارة يعني في نفس الوقت أنه إذا لم تترك مسافات مناسبة بين قضبان السكك الحديدية، فإنها سوف تتقوّس نظراً لتمددها، أي أن النظرية إذا أمكن لها أن تقوم بتلخيص الوقائع وتقديم اتساق عام من وراء ملاحظات مباشرة فتستطيع أيضاً أن تتنبأ بالوقائع، فالتنبؤ هو استنتاج غير معروف من الأمور المعروفة.
    ومثال ذلك أنه يمكننا ملاحظة أن الثقافة الغربية تؤدي إلى الهبوط الحاد في معدلات المواليد، كما أن هناك هبوط نسبي ضئيل في معدلات المواليد لدولة ما، وذلك من خلال المظاهر الأولية، وبهذا نتوقع أنه إذا ظهرت مظاهر الثقافة الغربية في دولة ما، فإننا نتوقع هبوط في معدلات المواليد.
  • النظرية تحدد الثغرات في معلوماتنا: حيث إننا لا نستطيع أن نعرف ما ينقصنا في أي مجال إلا إذا عرفنا أولاً ما هو متوفر لدينا، وإذا كانت المعرفة المتوفرة لدينا من الكثرة فإنه يصعب علينا أن نعرفها جيداً، ولما كانت النظرية تلخص وتنظم المعرفة المكتسبة فأنها تساعدنا على التعرف على ما ينقضنا من معرفة، وبالتالي ترشدنا إلى الجوانب التي يجب أن نركز عليها.
    وتعتبر محاولة سذر لاند ﻹعادة النظر في المفهوم الدارج للجريمة، مثالاً بنّاءً على الكيفية التي بها يتم إكمال نقص المعرفة حول بعض الجرائم، فعندما أخذ سذر لاند يجري عملية مراجعة لنظريات علم الإجرام التي تشير إلى وجود معدل عالٍ للجريمة، بين الطبقات الدنيا يفوق نظيره بين الطبقات العليا، التي توصلت إلى هذه الحقيقة.
    استناداً إلى بيانات الجريمة الرسمية التي تم جمعها في ضوء مفهوم إجرائي معين للجريمة، والتي أدت إلى سلسلة من الفروض التي تعتبر حالة الفقر وظروف التخلف والضعف العقلي، وغيرها من السمات ذات الارتباط العالي بالمكانة للطبقات الدنيا، والتي تعتبر من بين العوامل الهامة للسلوك الإجرامي.
  • تقوم النظرية بمهمة توجيه التطبيق: إن الغاية التي يهدف إليها العلم في النهاية، هي مهمة التطبيق بمعنى أن العلماء يدرسون ظواهر الكون والطبيعة، ويريدون التوصل إلى القوانين التي تحكمها، من أجل استخدام نتائج بحوثاتهم في التعامل مع الطبيعة والتحكم بها.
    والنظرية العلمية بما أنها تختصر كافة الحقائق التي اكتشفها العلماء، تقوم بمهمة ترشيد أي إرشاد التطبيقات العلمية في مجالات الحياة المختلفة، فقوانين “الطفو” مثلاً ساعدت على بناء السفن، ونظرية الجاذبية ساعدت على بناء الطائرات.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: