ننتقل إلى بدايات التصنيف، حيث هنالك في عصور التابعين وتابعيهم، حيث رحلة الحديث متجردة من الخوف على اختلاط القرآن بالحديث، ومات من كان قد سمع الحديث من منبعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتفرقوا في الأمصار، وأصبحت الحاجة ملحّة إلى تدوين ما صحّ من الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ونصل في مركبنا إلى أمام الهجرة حيث العلم والفقه، حيث الحديث والموطأ، حيث إمام مدرسة الحديث في الفقه.
نبذة عن الموطأ:
لقد ثبت عند علماء الأمة الإسلامية نسبة الموطأ للإمام أبي عبدالله مالك بن أنس بن مالك، الحميري المدني المولود في سنة 93 للهجرة والمتوفى سنة 179 للهجرة، إمام دار الهجرة، وصاحب مذهب المالكيّة، وقيل أنّه كان أعلم أهل زمانه في الحديث النّبوي الشريف وفي الفقه، وتلقّى العلم عنه كثير من كبار العلماء في الحديث النبوي الشريف والفقه كالإمام الشافعي رحمه الله، بل روى عنه الحديث من شيوخه وأقرانه مثل بن شهاب الزهري وأبو حنيفة النعمان، وكتب كتاب الموطأ ليشهد أهل زمانه بمنزلته العظيمة لاحتوائه على ما سهل من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسبب تسميته بالموطأ هو أنّه صنّفه عليه رحمة الله تعالى موطأً أي ميسراً مسهّلاً.
وكان سبب تصنيفه ما رواه أهل السيرة هو طلبٌ من أبي جعفر المنصور عندما جاء إلى المدينة المنورة في طريقه للحجِّ، فجلس عند الإمام مالك بن أنس، حيث كان مجلسه موئلاً ومرفداً لطلبة العلم والمتزودين بالحديث النّبوي الشريف، وبعد جلوسه عند الإمام مالك وسماعه للحديث منه، طلب الخليفة أبي جعفر المنصور من الإمام مالك بن أنس أن يؤلف ويكتب في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ما يجمع من حديث بصورة موطئة أي مسهّلة، فكتب الأمام مالك الموطأ، وكان من ما يصحّ بعد القرآن الكريم من كتب للحديث قبل أن يظهر أصحاب السنن، كالبخاري ومسلم وغيرهم.
منهج الإمام مالك بن أنس في الموطأ:
لقد كان منهج الإمام مالك بن أنس في تيسير الحديث على طلبة العلم والمستفيدين من الموطأ في الحديث، ولم يكن صعباً في رواية الحديث ونقله، ربما لقرب عهده من الصّحابة الّذين رووا الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعدم ظهور الدّس والتحريف في الحديث بصورة كبيرة، كما حدث في عصر من جاء بعدهم من أصحاب السنن، الّذين وضعوا الشروط والتزموا بقواعد في قبول الرواية في الحديث حتى يخرجوا الكتب المحققة، فروى الأمام مالك في الموطأ ما كان على شرط الشيخين البخاري ومسلم، وفي كتابه ما كان في درجة الحسن والحديث المرسل، ونجد في الموطأ الكثير من معلّقات الحديث الّتي أصبح فيها انقطاع بالسند، ومن هنا يظهر سهولة المنهجية في التصنيف للإمام مالك بالنسبة لغيره من أهل الحديث.
الشروح للموطأ:
لقد ظهرت الشروح لموطأ الإمام مالك بن أنس، وذلك لأهميته في الحديث والفقه الإسلامي ومن هذه الشروح سنذكر لك بعضاً منها:
1ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، وهو للإمام بن عبد البر.
2ـ شرح الزرقاني، للزرقاني المالكي.
3ـ المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد الباجي.