آخر البعثات في عهد سيدنا محمد:
كانت عظمة وكبرياء دولة الرومان (دولة الروم) قد جعلها تأبى حق الحياة على كل من دخل في دين الله الإسلام ومن آمن بالله ورسوله الكريم، ممّا حملها على أن تقوم بقتل من أتباعها ممّن يدخلون في دين الله الإسلام، مثلما فعلت هذه الدولة بفروة بن عمرو الجذامي، والذي كان أحد الأولياء على معان من قبل الروم، والذي قامت الروم بقتله عندما علمت بدخوله دين الله الإسلام.
ونظراً إلى تلك الجراءة والغطرسة والتكبر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتيجهز جيش كبير، وكان ذلك في شهر صفر من السنة الحادية عشرة من الهجرة النبوية الشريفة، وقد أمر عليه الصحابي الجليل أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، وقد أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يريد من ذلك أنزال الخوف على الروم وأيضاً إعادة الثقة إلى قلوب العرب الضاربين على تلك الحدود، وذلك حتى لا يحسبن أحد أن بطش الكنيسة لا معقب له، وأنّ الدخول في دين الله الإسلام يجر على أصحابه الحتوف(الهلاك أو القتل) فحسب.
وقد تكلّم وتحدث الناس في قائد الجيش لحداثة سنه (لصغر عمره)، حتى أنّهم تباطؤوا في بعثه وإرساله، حينها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيّم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإنّ هذا من أحبّ الناس إلي بعده” .
وبعد كلام النبي أخذ الصّحابة والناس يلتفّون حول الصحابي أسامة بن زيد بن الحارثة رضي الله عنه، وينتظمون في جيشه، وبعد ذلك خرجوا ومن ثمّ نزلوا الجرف على فرسخ من المدينة، إلّا أنّ الأخبار المقلقة والمزعجة وغير المستقرة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرهتهم على التريث والبطؤ، حتى يعرفوا ما يقضي الله به، وقد قضى الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا البعث هو أوّل بعث ينفذ ولكن في خلافة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.