آداب الصّيام المستحبَّة

اقرأ في هذا المقال


سنتحدث في هذ المقالة على الآداب المستحب إعمالها في الصِّيام؛ ليعيش العبد مع الصّيام وفقهه، ومتحلياً بآدابه، وملتزماً بمكمِّلاته؛ ليحظى بخيري الدنيا والآخرة .
فالصّيام المستحب للمسلم: هو أن يصوم لوجه الله تبارك وتعالى شريطة أن لا يصوم الأيام التي ثبت تحريم صيامها.
ومن أهمِّ هذه الآداب التي يجب أنّ يحضى بها الصّائم هي مايلي:
1. العزم على التنافس في الخيرات : فيستقبل المسلم رمضان بنيَّةِ العزم على أن يصومه إيمانًا واحتسابًا، وأن يفتح في أول ساعةً منه صفحة جديدة في سِجلِّ أعماله، ومعه العزم الأكيد على التزوُّد فيه بصالح الأعمال؛ فإنْ أدركهُ رمضان ولم يُغفر له فقد خاب وخسر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثمَّ انسلخ قبل أن يُغفَر له)”أخرجه الترمذي وصححه الألباني”.
2. شكر بلوغ نعمة الشهر: فعندما يهلّ هلال رمضان يستشعر العبد بنعمة الله عليه بأن يمدَّ في عمره وأنَّه بلَّغه رمضان، فإذا رأيت هلال رمضان فقل كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن طلحة بن عبيد الله أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال:(اللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسَّلامة والإسلام، ربي وربك الله)” أخرجه الترمذي وصححه الألباني”.
وهذا الدُّعاء في كل شهر، وهو في رمضان ألزم.
3. تأخير السَّحور: فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ:(تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُور؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً)” أخرجه بخاري ومسلم” .

وأن ينوي بسَحوره امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بفعله ليكون سَحوره عبادة، وأن ينوي به التقوِي على الصّيام ليكون له به أجر .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ)” أخرجه أحمد في مسنده”.

4.
تعجيل الفطر: فمن السّنة عدم تأخير الفطر إذا غربت الشمس.

فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفطر)“أخرجه بخاري ومسلم” .

والسُّنة أن يفطر على رطبات؛ فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسواتٍ من ماء، كما في الحديث الصحيح؛ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ).
فإذا صلى المغرب تناول حاجتهُ من الطعام.
5. الدُّعاء عند الإفطار: ويُستحب للعبد أن يكثر من الدُّعاء أثناء الصَّوم وعند الإفطار؛ لأنَّها من الأوقات التي يُرجَى فيها إجابة الدُّعاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثلاث دعوات لا تُردُّ: دعوةُ الوالدِ لولدهِ، ودعوةُ الصائمِ، ودعوةُ المسافر)”أخرجه البيهقي في السُّنن الكبرى”.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفطَرَ قَالَ:(ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)“أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني”.
6. تذكُّر نعمة الله وفضله وتوفيقه: وذلك بأن يستحضر الصّائم نعمة الله تعالى عليه إذ مكَّنه من الصّيام، ووفَّقه له وأتمَّهُ عليه، فإنَّ كثيرًا من الناس حُرِموا من الصّيام إمّا بموتهم قبل حلول الشهر، أو بعجزهم عنه لمرضٍ أو غيره، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربَّه على نعمة الصّيام التي هي سببٌ لمغفرة الذُّنوب وتكفير السيئات، ورفع الدرجات في دار النعيم.
7. شهر رمضان موسمُ جدٍّ لا كسل: فلا يجعل المسلم شهر الصوم شهر فتور وكسل، فهو شهر جَلَد وصبر، يتسلَّح فيه المؤمن بقوة الإرادة، فينشِّط إلى العمل والكفاح.

والمتأمِّل في تاريخ المسلمين يجد أنَّ الغزوات الكبرى بدءًا من غزوة بدر وفتح مكَّة، وعين جالوت، وغيرها من الحروب المؤثِّرة الكبرى كانت في شهر رمضان، فلم يكن الصَّوم مانعًا من تحقيق إنجازات كبرى في حياة المسلمين، ولكنَّنا حولناه إلى شهر نومٍ وكسلٍ وتركٍ للعمل، فهل هذا ما يدعو إليه الصيام؟.

8.
الحرص على قيام رمضان: وقيام رمضان “صلاة التراويح” وهي عبادة جليلة، وسُنَّة مؤكَّدة، وتُسَنُّ فيها الجماعة، وله ميزة وفضيلة عن غيره في أيِّ وقت آخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه)“أخرجه بخاري ومسلم”.

وصلاة التراويح: هي إحدى عشرة ركعة، وكان السَّلف رضوان الله عليهم يطيلونها، فكان القارئ يقرأ بالمئين من الآيات في الرَّكعة حتى كانوا يعتمدون على العصيّ من طول القيام، ويجب أن تؤدَّى بهدوء وطمأنينة، وعلى المأموم أن لا ينصرف حتى ينتهي الإمام من صلاة الوتر ليحصل له أجرُ قيام الليل كلِّه، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)“أخرجه أبو داود والترمذي، وصحَّح الألباني”.

ويجوز للنساء حضور صلاة التراويح في المساجد.
9. الإكثار من أعمال البرِّ: يستحبُّ اغتنام أيام شهر رمضان ولياليه في الأعمال الصَّالحة، والإكثار من تلاوة القرآن وذكر الله، والدُّعاء والصَّدقة، وسائر ما يحبّه الله ويرضاه، وهكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)“أخرجه بخاري ومسلم”.
وكان جوده صلَّى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها؛ من بذل العلم والنفس، والمال لله عزوجل في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النَّفع لهم بكل طريق؛ من تعليم جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وإطعام جائعهم، وكان جوده يتضاعف في رمضان؛ لشرف وقته، ولمضاعفة أجره، وإعانة العابدين فيه على عبادتهم، والجمع بين الصِّيام وإطعام الطعام. لذا ينبغي علينا أن نقدِّم الخير للآخرين ما استطعنا.
10. العمرة: للعمرة فضلٌ كبير في رمضان.

فعَن ابنِ عَبَّاس رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِن حجَّتِهِ قَالَ لِأُمِ سنَان الأنصَارِيَّةِ: ما مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ؟ قَالَت: أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ؛ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ:(فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً)”أخرجه وبخاري ومسلم”.

فزيارة بيت الله الحرام في هذا الشهر المبارك-لمن يستطيع عملٌ عظيم، يعدل ثواب حجَّة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيا له من أجر عظيم يغفل عنه كثير من المسلمين .
11. تجنب الإفراط في الأكل والشرب: إنَّ من حكمة الصوم: التخفيف عن المعدة في الطَّعام والشراب، فإنَّ البطنة وامتلاء البطن أصل الداء، والحمية وتقليل الطَّعام والشراب أصل الدواء، فعن الْمِقْدَام بْن مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ وَثُلُثُ شَرَابٍ وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ)“أخرجه الترمذي وابن ماجه”.
فزيارة بيت الله الحرام في هذا الشَّهر المبارك-لمن يستطيع عملٌ عظيم، يعدل ثواب حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيا له من أجر عظيم يغفل عنه كثير من المسلمين .

ومتى انكبَّ الصائم على الطعام والشراب عند الإفطار، يوشك أن يرغب في النوم، فيكلّ ويملُّ عن الطاعة، ولا يستطيع أداء صلاة القيام، ويغلبه النوم، ويفتر عن الطاعات.

فمن آداب الصيام: الاقتصاد في الطَّعام والشراب، وعدم الإفراط فيهما، خاصَّة مع تنوُّع صور الأطعمة والفواكه والحلويات حتى صار شهر رمضان موسمًا استهلاكيًّا ضخمًا في حياة المسلمين.
12. اغتنام العشر الأواخر: إذا كان شهر رمضان هو ميدان التنافس الأعظم في العام كله، فإنَّ العشر الأواخر من رمضان هي أعظم ميدان للتنافس في الطَّاعات، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَى لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)“أخرجه بخاري ومسلم”.

وفي رواية لمسلمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ)”أخرجه بخاري ومسلم”.

وهذا الاجتهاد الكبير في العبادة من أجل تحرِّي ليلة القدر، وقد رتَّب اللة جلَّ وعلا على قيام ليلة القدر وإحياء العشر الأواخر أجرًا عظيمًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)“أخرجه مسلم”.
أي: إيمانًا بما أَعَدَّ الله من الثواب للقائمين فيها، واحتسابًا للأجر، وطلب الثواب، وقيامها إنَّما هو إحياؤها بالتهجُّد فيها، والصلاة والدعاء؛ لما صحَّ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله أنَّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:(قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)”أخرجه الترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني”.




شارك المقالة: