وعندما وصل مالك بن عوف بأوطاس حينها اجتمع إليه الناس، وكان معهم دريد بن الصمة.
أحداث حنين
ودريد هو أحد الشيوخ الكبار، يمتلك من الكلام والرأي الصحيح والسديد، وصاحب معرفة كبيرة بالحرب، وكان رجلاً شجاعاً ومجرباً، حيث قال الشيخ دريد بن الصمة وسالهم بأي وادٍ أنتم، قالوا له نحن بأوطاس، فقال دريد: “نعم مجال الحيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس”، وقال لهم أيضاً: “أنّني لا أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصبي، وثغاء الشاء”.
فقالوا لدريد: إنّ الرجل مالك بن عوف قد ساق مع الناس كل نسائهم وأموالهم وأبنائهم، فطلب دريد حينها من مالك المجئ، فعندما جاء مالك سأله دريد عن السبب الذي جعله يفعل ذلك، فقال مالك بن عوف حينها : “أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله حتى يقاتل عنهم”، فقال دريد: ( إنّك راعي ضان والله) ، وهل المقاتل يرد أي شيء ، ومن ثم قال الشيخ دريد: “إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أملك ومالك”، ثمّ سأل الشيخ مالكاً عن بعض البطون والزّعماء والرؤساء حين ذاك، ثمّ قال لمالك: “يا مالك إنّك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً”.
وقال دريد: “ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم، ثم الق الصباة على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من ورائك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك”.
لكن مالك بن عوف القائد العام لهذه الحرب رفض ذلك المطلب، ثم قال بعد ذلك وقد حلف بالله أن يفعل ما يريده هو، وردّ مالك على الشيخ قائلاً له: إنّك قد کبرت أيها الشيخ، وقد كبر كذلك عقلك، وقال أنّ هوازن ستطيعني أو أنّي لأتكئ على ذلك السيف حتى يخرج السيف من ظهري، وعند ذلك قال دريد: “هذا يوم لم أشهده ولم يفتنی”، ومن ثمّ قال منشداً بعض الأبيات الشعرية آن ذاك:
يا ليتني فيها جذع أخب فيها واضع
أقود وطفاء الزّمع كأنّها شاة صدع